المبدأ الرابع: تعريف الإنسان بأن الإيمان بأي دين لا يكون إيمانا حقيقيا وصحيحا إلا إذا كان صادرا عن اقتناع تام، لا دخل فيه لأي ضغط أو إكراه، بحيث إذا أكره أحد على اعتناق دين ثم أراد العودة إلى دينه الأول كان مسموحا له بالعودة إليه دون مواخذة ولا عقاب، ولتقرير هذا المبدأ بشكل قاطع لا رجعة فيه لقوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" [البقرة، 255]، وقوله تعالى: "اَفأنت تكره الناس حتى يكونوا مومنين" [يونس، 99]، وقوله تعالى: "إنك لا تهدي من اَحببت ولكن الله يهدي من يشاء" [القصص، 56]، والتسليم بهذا المبدأ الرابع يؤدي إلى الترفع عن إجبار الآخرين على الدخول في دين غير دينهم، ويمهد الطريق لاحترام إرادة الآخرين، وقبول التعايش معهم على ماهم عليه. المبدأ الخامس: تعريف الإنسان بأن البشر وإن اختلفت معتقداتهم وأديانهم، واختلفت ألسنتهم وألوانهم، وتعددت قبائلهم وشعوبهم، فهم يكونون في طبيعتهم نوعا واحدا، وينتمون في نشأتهم إلى أصل واحد، ويطمحون بفطرتهم إلى تحقيق هذه واحد، وهذه الوحدة الأصلية والفطرية الجامعة بينهم يجب أن تكون أقوى عامل في تعارفهم وتعاونهم، وأهم عامل في توحيد جهودهم للنهوض بأعباء المصالح العليا للبشرية التي تتطلع إليها الإنسانية جمعاء، وبديهي إن هذا العامل الوحدوي لا يتعارض مع بقاء الحرية لكل أمة في اعتقاد ما تريده من المعتقدات. بل إنه سيكون من أقوى العوامل للتقريب والتفاهم بين مختلف الأمم، وقد لفت القران الكريم أنظار كافة البشر إلى هذا المبدأ عندما قال "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" [الحجرات، 13] والتسليم بهذا المبدأ الخامس يوجه الإنسان إلى أن يأخذ بعين الاعتبار قبل كل شيء ما يجمع بينه وبين أخيه الإنسان بدلا من أن ينطوي على نفسه ويعتزل الآخرين بحجة الفوارق التي توجد بينه وبينهم فيحجم عن التعاون معهم.. يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى.. بحث مقدم إلى الدورة الدولية التي عقدتها لجنة "حقوق الإنسان" حول التسامح الديني والفكري بمنطقة الأممالمتحدة في جنيف من 3 إلى14 دجنبر 1984، وقد ترأس الأستاذ محمد المكي الناصري الوفد المغربي الذي مثل المغرب في هذه الدورة، وقدم باسمه هذا البحث..