2. الجمع بين المجاهدة والجهاد يتميز التصوف بالمغرب بخاصية الفاعلية، والبعد عن الكسل والبطالة والخمول، وتاريخ التصوف هو تاريخ الجهاد والمجاهدة فهما متلازمين لا ينفكان. ومفهوم الجهاد عند الصوفية مرتبط بمفهوم المجاهدة، يقول الراغب الأصفهاني في مفردات غريب القرآن: "الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو، والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس، وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى "وجاهدوا في الله حق جهاده" [الحج، 76]، "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" [التوبة،41]، "إن الذين ءَامنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله" [الاَنفال، 73][1] فلا مجاهدة بدون جهاد، ولا جهاد بدون مجاهدة، هذا التلازم الذي يغفل عنه الكثيرون ويتهم الصوفية بالخمول وعدم مقاومة العدو والاستكانة إلى ما يسمى بالتواكل، وأن ذلك قضاء الله قضاه على هذه الأمة، لا مفر منه، ولا دافع له ولو عملنا كل ما بوسعنا أن نعمله، ويستدلون ببعض قضايا الأعيان وعمموا الحكم على كل الصوفية بمقتضاها، وهذا من الظلم الشنيع عليهم والافتراء على التاريخ الناصع الذي خلد لنا أسماء وأعلاما يمثلون رموزا للجهاد والدفاع عن حوزة الوطن، بل صاروا مصدر إلهام وقوة واستمداد لمن أتى بعدهم. يقول سامي النشار: "وضع الصوفية المرابطة في الثغور شرطا من شروط التصوف"[2]. والطريقة الجزولية عُرفت بدورها الفعال في استنهاض الهمم وحشد الجموع للجهاد، في فترة عرف فيها المغرب بالضعف والاقتتال الداخلي، حيث عرفت دعوت ابن سليمان الجزولي استجابة كبيرة لدى الأوساط الشعبية، ومن كلامه رحمه الله في هذا الصدد: "دولتنا دولة المجتهدين المجاهدين في سبيل الله القاتلين أعداء الله"[3]. يتبع في العدد المقبل.. —————————————— 1. المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، 1/131-132. 2. نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، 3/1194. 3. الإعلام، 5/48.