ضيفة هذا العدد من جريدة ميثاق الرابطة الغراء تعتبر من فضيلات نساء الأندلس علما وأدبا وحكمة حباها الله بمكارم الأخلاق. برعت في فن الخط وأبدعت فيه، وأظهرت تألقها الفني في مجموعة من إسهاماتها الأدبية والشعرية؛ إنها "صفية بنت عبد الله الريي"[1] الخطاطة الأندلسية المتألقة "من نساء القرن الرابع الهجري وأوائل القرن الخامس"[2] وصفها ابن بشكوال في الصلة بأنها كانت "أديبة وشاعرة موصوفة بحسن الخط"[3]. وقال الحميدي: ذكرها أبو محمد علي بن أحمد وأنشدني، قال أنشدني أبو عبد الله محمد بن سعيد بن جرج لها، وقد عابت امرأة خطها فقالت في حقها: وعائبة خطي فقلت لها اقصري فسوف أريك الدر في نظم اسطري وناديت كفي كي تجُود بخطّْها وقَربْتُ أقلامي ورِقّي ومَحبَري فخطَّت بأبياتٍ ثلاثٍ نظمتُها ليبدو بها خطي فقلت لها انظُري[4]. فصفية بنت عبد الله الريي كانت واثقة من نفسها ومدى قدرتها في إظهار مستواها الأدبي الرائع في نظم يقل له نظير تتجسد خباياه الفنية في مثل هذه الأبيات الساحرة، التي تجسد الحضور القوي للمرأة الأندلسية في ميدان الخط العربي الذي يحكي قصة الفن والإبداع والنبوغ؛ الشيء الذي يقرر ابتداء أن صفية بنت عبد الله الريي هي واحدة من النساء الأندلسيات الخطاطات العالمات والشاعرات، اللواتي اشتهرن بخطهن الجميل بكل أشكاله ومميزاته الفنية العربية، وإلى حد كبير كان لها كذلك ذوق وتفنن وإبداع كبير في صياغة أبيات شعرية أدبية رائعة تظهر جماليات الفن العربي في إبداعاتها الشعرية.. فالباحث في التاريخ والتراث العربي يلاحظ بجلاء أن للمرأة العربية دورا فعالا على مدى التاريخ، في فن الكتابة والمساهمة الفعالة في رقي وتطور الخط العربي بكل تجلياته الفنية. فأصبحت الأمة العربية تفتخر بمجموعة من النساء الرائدات الشهيرات في مجالات حياتية متنوعة فمنهن من نسخ المصاحف والكتب في مجال الأدب والشعر والحديث بطريقة بارعة في غاية الدقة والبراعة؛ فإلى جانب صفية بنت عبد الله الريي يذكر ابن بشكوال صاحب الصلة جملة من النساء الأندلسيات اللواتي برعن في مجال الخط وذكر منهن "لبنى" كاتبة الخليفة الحكم بن عبد الرحمان الحاذقة بالكتابة النحوية والشاعرة البصيرة بالحساب تشارك في العلم (…) وكانت عروضية خطاطة جدا توفيت سنة أربع وسبعين وثلاث مائة[5]؛ ومنهن "مزنة" كاتبة الخليفة الناصر لدين الله الحاذقة في الخط توفيت سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة ذكرها إبن مسعود في كتاب الأنيق نقلت ذلك من خط ابن حيان[6]؛ ومنهن كذلك "راضية" مولاة الإمام عبد الرحمان بن محمد الناصر لدين الله (…) روى عنها أبو محمد بن خزرج وقال: عندي بعض كتبها وتوفيت في حدود سنة ثلاث وعشرين وأربع مائة، وقد نيفت على مائة عام بنحو سبعة أعوام..[7]؛ ومنهن كذلك "الغسانية" الأديبة الشاعرة كانت تمدح الملوك مشهورة ذكرها الحميدي ولم يذكر اسمها وأورد لها قصيدة حسنة في الأمير خيران العامري تعارض بها أبا عمر احمد بن دراج في شعر قال فيه أولها أو: وهي: أتجزع أن قالوا ستظعن أظغان وكيف تطيق الصبر ويحك إن بانو[8] ومن الخطاطات كذلك "فاطمة بنت الحسن بن علي بن عبد الله العطار الأقرع" أم الفضل فاضلة اشتهرت بجودة الخط على طريقة ابن البواب وكان خطها مما يجود عليه قال الذهبي رحمه الله وبكتابتها يضرب المثل وهي التي ندبت لكتابة كتاب الهدنة إلى طاغية الروم.[9] ومنهن كذلك "ريحانة الأندلسية" جارية الطبيب أبي عبد الله الكناني.. [10]. فالتاريخ العربي غني بهذا النوع المتميز من النساء الرائدات اللواتي تركن بصمات واضحة في مجال فن الخط العربي الأصيل؛ فصفية بنت عبد الله الريي هي واحدة من نابهات عصرها في هذا المجال؛ فقد كانت رحمها الله تنظر إلى موضوعاتها الأدبية من خلال مخزونها الثقافي فتعبر من خلال هذا المخزون عن مشاعرها وذوقها الأدبي الرائع.. توفيت رحمها الله سنة (417ه). فالله نسأل أن يرحمها رحمة واسعة وأن يدخلها فسيح جنانه.. والله المستعان ————————————————— 1. بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس للضبي، ص: 527 ترجمة رقم (1583) طبعة دار الأنجلو المصرية 1970م. 2. نساء من الأندلس، أحمد خليل جمعة ص: 270، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1421ه/2001م. 3. كتاب الصلة لابن بشكوال، ومعه كتاب صلة الصلة لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم الغرناطي، ص: 324 المجلد الثاني، تحقيق شريف أبو العلا العدوى مكتبة الثقافة الدينية 2008. 4. جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، أبو عبد الله محمد بن فتوح بن عبد الله الحميدي، ص: 600 المحقق: الدكتور بشار عواد معروف وولده محمد، الناشر: دار الغرب الإسلامي- تونس، الطبعة: الأولى سنة 1429ه / 2008م. 5. كتاب الصلة لابن بشكوال، ص: 323، المجلد الثاني. 6. الصلة، (2/323). 7. الصلة (2/325). 8. الصلة (2/326). 9. سير أعلام النبلاء للذهبي ( 18/480)، تحقيق جماعة من العلماء الأفاضل مؤسسة الرسالة بيروت ط: 3-1985م. 10. الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية، لشكيب أرسلان، (2/101) منشورات مكتبة دار الحياة بيروت طبعة بدون تاريخ.