مواصلة في التعريف بالعطاء التاريخي الزاخر للنساء الرائدات اللائي ذاع صيتهن في مشارق الأرض ومغاربها أود أن أتحدت في هذا العدد عن عالمة جليلة عرفت بقوة علمها وصبرها وتواضعها ارتوت علومها الدينية من بحر العلم الوافر؛ إنها السيدة خديجة بنت محمد الكتانية بنت محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع، عالمة، فقيهة، مطلعة. ولدت بفاس المحروسة سنة 1294ه. كانت خديجة بنت محمد الكتانية من أكثر النساء الصالحات حماساً لتعلم العلم.. نشأت في بيت عرف بالعلم والتقوى والصلاح، وترعرعت في كنف والدها الذي أخذت منه العلم إلى جانب كبار آل بيتها فألفت كتبا عديدة، حفظت القرآن الكريم وضبطته على والدها، وحفظت مُهمات المتون، وحصلت على الإجازة من والدها وجدها وبعض كبار علماء المشرق، وأخذ عنها جملة من أعلام بيتها كابن أخيها الشيخ محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي الكتاني وغيره، وكانت النساء ترجع إليها في مختلف المسائل الفقهية، وبينها وبين مختلف أهل بيتها مراسلات محفوظة. كما كانت -رحمها الله- أديبة، حافظة للشعر، وقصص الأدباء، مفيدة المجالسة، إضافة إلى معرفتها لأخبار الوقت وتاريخ رجالات أسرتها، واستقامتها الدينية والأخلاقية التي لا مثيل لها، وملازمتها للذكر والتذكير، والصلوات الخمس في جماعة، كما تركت عدة كنانيش بخط يدها لا تخلو من فوائد وإجازات وكتب منتسخة. هاجرت عالمتنا الجليلة إلى المدينةالمنورة سنة1331 ه، ثم منها إلى دمشق سنة 1336ه، وعادت إلى المغرب سنة 1345ه. وقد اضطرتها الحرب العالمية الأولى إلى الابتعاد عن زوجها العلامة مولاي الفاطمي العراقي الذي عاد للمغرب من الحجاز عام 1332ه، وذلك بين عامي 1332ه و1345ه، فكانت بينهما مراسلات طويلة رائعة تعكس بلاغتها ورقتها، وهي محفوظة بمكتبة شقيقها الشيخ محمد الزمزمي الكتاني. توفيت رحمها الله بفاس عام 1351ه، ودفنت في ضريح والدها، بحومة الصفاح من عدوة فاس الأندلس، وكانت لها جنازة حافلة حضرها أعيان فاس. المرجع: 1. منطق الأواني بفيض تراجم عيون أعيان آل الكتاني لمحمد حمزة بن علي بن المنتصر الكتاني، دار الكتب العلمية..