إن مكونات علم التأسي منتثرة بفضل الله في سجلات السنة النبوية المطهرة ومجامع التفسير ومصنفات علم التزكية والتصوف وكذا في كتب الفقه والأصول ولا تحتاج إلا إلى الجمع والمنهجة. فالآيات المباركة في كتاب الله الكريم قد ألقت الأنوار حول الصفات المحورية للأنبياء والرسل وفي مقدمتهم إمامهم وخاتمتهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. كما أن المصنفات في الشمائل النبوية وفي دلائل النبوة قد ألقت الأضواء على شهادته صلى الله عليه وسلم وعلى هديه عليه الصلاة والسلام. كذلك، فكتب السيرة عامة قد حاولت رصد حياته الشريفة صلى الله عليه وسلم بدقائقها وتفاصيلها، فحصلت عندنا بحمد الله مجامع ما تحتاج إلا إلى التثمير والتوظيف. ويمكن تبيُّن المعالم الكبرى لعلم التأسي على المستويين الفردي والجماعي كما يأتي: 1. الوحدة القياسية على المستوى الفردي لقد ساد بين المسلمين في الأزمنة الأخيرة من تاريخهم، على خلاف ما كان عليه الأمر في عهد الصحابة الكرام رضي الله عنهم، التعامل التبرّكي مع آثار ودلائل النبوة وشمائل النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة عليه الصلاة والسلام. وفي ذلك خير كثير في ذاته، غير أنه لو شُفِع بالوظيفية لكان الخير أعم وأتم، ونقصد بالوظيفية هنا أن يتم طرح الأسئلة العملية على آثار النبوة من أجل تبين أوجه الشهادة النبوية في مجال مخصوص، وتحديد منهجية الرد إلى الوحدة القياسية.. وهي أسئلة لا يمكن طرحها بطريقة سليمة إلا من لدن العالمين بالمجال قيد الدرس، إذ العلم بالمجال هو الذي يمكّن من تلمس مواطن الهدي النبوي فيه للتأهيل الناجم عن استتباب التضاريس المعرفية والمركبات المفاهيمية والأنساق القياسية ذات الصلة بالمجال في أذهان المشتغلين به، مما لا ينتج إلا بطول الممارسة للبحث في مجال معين، والتعاطي مع المشاكل المنهجية التي فيه. ففي التربية مثلا، لن يكون أقدرُ على مساءلة آثار النبوة في هذا المجال من التربويين، لمكابدتهم له ولمعاناتهم البحثية داخله، معاناة تنشئ الشوق والتوق وكذا الاستعداد لوجدان الحلول. وهل أقدر على استجلاب الدرّ من أعماق البحار ممن يعرفه ويعرف قيمته؟! وأجلى مثال على ذلك في مجال التربية محاولة الجواب عن السؤال المؤرّق الذي مفاده: من هو الإنسان الأمثل الذي ينبغي أن يكون القطب الجاذب للمناهج والبرامج التربوية بحيث تتغيَّى الوصول بالخاضعين للعملية التربوية إلى أفقه، دونما خشية من آثاره المضادة؟ والله المستعان