علي بن موسى بن علي السالمي، أبو الحسن ابن النقرات الجياني ثم الفاسي (كان حيا سنة 593ه) [القسم الثالث] تحليته كنت قد أوردت في القسمين: الأول والثاني من هذه السلسلة جملةَ ما وَقَفْت عليه مما يُعرِّف بابن النقرات: اسماً ولقباً وكنيةً، ونَسَباً ومُنْتمى ونِسْبَةً؛ وسأثبت في هذا القسم الثالث من هذه الترجمة ما وَقَفْت عليه من تحليات العلماء لصاحبها، وهذه التحليات -كما هو معلوم- مما يُرشد إلى مَحالِّ المترجَمين، ويدل على مقاماتهم. لقد حُلِّيَ ابن النقرات من قِبَل العارفين بأحوال الرجال، بتحليات تُنْبِئُ عن عُلو كعبه في العلوم، وسُمُو مَقَامه في الصلاح. فأما ما يرجع إلى العلوم: فَذُكر بالمعرفة بالقراءات، والحديث، والأنساب، والأدب عموما، والاقتدار على قرض الشعر خصوصا؛ منفردا بإتقان علم الكمياء، والإحاطة بدقائقه. وهذا سياقُ أهم ما وقفت عليه عن ذلك، مرَتَّبا على أعصار من صدر منه: قال ابن الأبار: "كان مقرئا، أديبا، له حظ صالح من قرض الشعر"[1]. وقال ابن عبد الملك: "كان مقرئاً، مجوداً، محدثاً، راوية، حافظاً للآداب، عارفاً بالأنساب، صالحاً، ورعاً، فاضلاً، زاهداً، ذا حظ من قرض الشعر"[2]. وقرأت في نسخة مخطوطة من كتاب مطالع البدور في شرح صدر ديوان الشذور[3] للجلدكي ما نصه: "نظرتُ في كتب الحكماء المتقدمين والمتأخرين، فما وَجَدتُ أفصح، ولا أبلغ، ولا أغوص في العلوم، من الشيخ الإمام العالم العلامة الذي غاص في العلوم، واستخرج الدر من النجوم، وملك الدنيا وزهد فيها، ولم يدع مكرمة لم يوافيها الإمام أبو[4] الحسن علي بن موسى بن قاسم بن علي الأنصاري الأندلسي تغمده الله بالرحمة والرضوان.. ونظرت في كتابه الموسوم ب: "شذور الذهب" فوجدته قد استوعب فيه جميع الحكْمة المطلوبة والنعمة المرغوبة[5]. وقال ابن شاكر الكتبي: "لم يَنْظِم أَحَدٌ في الكيمياء مثل نظمه بلاغةَ معاني، وفصاحةَ ألفاظ، وعذوبةَ تراكيب، حتى قيل فيه: إن لم يُعَلِّمْك صنعة الذهب علمك صنعة الأدب، وقيل هو: شاعر الحكماء وحكيم الشعراء، وقصيدته الطائية أبرزها في ثلاث مظاهر: مظهر غزل، ومظهر قصة موسى، والمظهر الذي هو الأصل في صناعة الكيمياء، وهذا دليل على القدرة والتمكن. وأولها: بزيتونة الدهن المباركة الوسطى غنينا فلم نبدل بها الأثل والخمطا صفونا فآنسنا من الطور نارها تشب لنا وهناً ونحن بذي الأرطى"[6] وقال ابن الجزري: "إمام كبير، وأديب بليغ"[7]. وقال المقري متحدثا عما عليه ديوان شذور الذهب لابن النقرات من إحكام النظم، وسلاسة الكلام: "وفي عبارة بعضهم: إن فاتك ذَهَبُه لم يفتك أدبه"[8]. جاء في نسخة الخزانة الحسنية ذات الرقم: 5326 من كتاب: "ديوان شذور الذهب" ما نصه: "قال الشيخ الإمام الكامل الفيلسوفي الفاضل"[9]. ولخص الزركلي جملة مما قيل في تحليته، فقال: "حكيم، عالم بالكمياء، شاعر"[10]. وأما ما يرجع من تلك التحليات إلى ما كان عليه ابن النقرات من صلاح الحال، واستقامة الأمر، واطراح الدنيا، والزهد في بنيها، مع ما كان عليه من إمكان تحصيل عريض الأموال، وواسع الجاه، فسأسوق من ذلك -مُخْتَصِراً – شيئا مما ذكره به مترجموه: فمنه: ما نقله ابن الأبار عن التجيبي أنه ذكره في مشيخته وأثنى عليه بالزهد، والصلاح، والورع[11]. ومنه: ما سبق نقله قريبا عن ابن عبد الملك، فإنه لما حلاه بالمقرئ، المحدث، الراوية، الحافظ للآداب، العارف بالأنساب؛ أَتْبَعَ ذلك بِوَصْفِ مترجَمنا بأنه كان: "صالحاً، ورعاً، فاضلاً، زاهداً[12]. ومنه: ما نقله الحافظ ابن حجر عن ابن رشيد من أن ابن النقرات "كان عدلا فاضلا"[13]. ومنه: ما سبق نقله قريبا أيضا عن الجلدكي في صدر كتابه مطالع البدور في شرح صدر ديوان الشذور، حيث إنه لما أثنى على ابن النقرات بالتحقق بالعلوم ختم ذلك بكلام بليغ عن حاله، من حيث الزهد في الدنيا، مع إمكان حيازة الحظ الأوفى منها، فقال: "ملك الدنيا وزهد فيها، ولم يدع مكرمة لم يوافيها"[14]. وبالجملة فالرجل رحمه الله كان مجمع فضائل، ومنبع فواضل، إماما في العلم، إماما في العمل. وبَقِيَتْ في هذا الموضع كلمةٌ لابن رشيد ذَكَر فيه أن ابن النقرات لم يكن بالضابط، سأرجع إليها إن شاء الله تعالى في المقال المقبل. يتبع إن شاء الله ————————————————- 1. التكملة لكتاب الصلة، 3/375، وعنه ابن القاضي في جذوة الاقتباس ص: 481. 2. الذيل والتكملة س: 5، ق: 1/413. 3. كتاب الجلدكي "مطالع البدور" شرح فيه ديوان شذور الذهب في علم الكمياء للإمام ابن النقرات صاحب هذه الترجمة، وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى على هذا الكتاب مفصلا. 4. كذا في الأصل بالرفع، والجَرَّ أَشهر. 5. مطالع البدور في شرح صدر ديوان الشذور للجلدكي: (61أ) نسخة المكتبة البريطانية رقم: add23,418. الرابع في المجموع. 6. فوات الوفيات3/107، وممن نقل الكلام المذكور باختصار أو تصرف دون عزو المقري في نفح الطيب 3/606، وابن العماد في شذرات الذهب 6/519. 7. غاية النهاية في طبقات القراء 1/513. 8. نفح الطيب 3/606، ونقله باختصار، وتصرف يسير دون عزو ابن العماد في شذرات الذهب 6/519. 9. الفهرس الوصفي لمخطوطات الكيمياء وتعبير الرؤيا والعلوم الخفية من فهارس الخزانة الحسنية 5/88. 10. الأعلام 5/26. 11. التكملة لكتاب الصلة 3/375، وعنه دون تصريح الذهبي في تاريخ الإسلام 12/1003. 12. الذيل والتكملة س: 5، ق: 1/413. 13. لسان الميزان 6/33. 14. مطالع البدور في شرح صدر ديوان الشذور للجلدكي: (أ61).