النهاية المأساوية لمدينة سجلماسة تذكر الرواية الشفوية أسطورتين مختلفتين عن اندثار سجلماسة: تقول الأولى: إن السلطان الأكحل "الأسود" ويقصد به ربما حاكم المدينة، ذهب يتجول في إحدى الليالي، فالتقى امرأة خرجت رفقة أبنائها قصد غسل بعض الملابس. فطلب منها السلطان أن تربط معه علاقة غير شرعية، فلما رفضت قام بتصفية ابن لها، إذ قسمه بسيفه إلى شطرين وقدمه لكلابه. هذا الفعل الشنيع لم يستسغه السجلماسيون فنددوا به وقاموا بالثورة أدت إلى نشوب الحرب التي قتل على إثرها الحاكم، وكان من نتائجها تدمير المدينة. الأسطورة الثانية: تشير إلى أن سكان المدينة استيقظوا فجر ذات يوم على مؤذن المسجد الجامع وهو يصيح بعد أذان الصبح "أصبح ولله وخلت" بدلا من "أصبح ولله الحمد". ويمكن أن نستشف من وراء ذلك أن المدينة ربما تعرضت في ليلة هذا اليوم لكارثة طبيعية تتمثل على الأرجح في زلزال قوي، أو فيضان جارف. ذلك أن التوضعات النهرية بالمنطقة أدت إلى تزايد مستوى سطح الواحة بنسبة متر واحد تقريبا كل مائة سنة، ليتساوى بذلك تقريبا مع مستوى الربوة التي أسست فوقها مدينة سجلماسة أول الأمر. فلما تعرضت لفيضان كبير أتى ذلك على كل معالمها العمرانية، خاصة وأن معظم بناياتها شيدت من الطابية. وهذا ما يؤيده أحد الباحثين، إذ يقول "اندثرت مدينة سجلماسة في نهاية القرن 14 الميلادي [8 للهجرة]، ربما نتيجة تخريبها بواسطة فيضانات غير عادية لنهري زيز وغريس، فتفرق سكانها على الأماكن والقصور المحصنة بالواحة"[1]. ويبقى تأكيد أحد العوامل المؤدية إلى الاندثار السريع والمفاجئ لمدينة سجلماسة، مرهونا بنتائج الحفريات الأثرية في غياب أي مصدر مكتوب يمكن الاعتماد عليه. ورغم اندثار سجلماسة؛ فإن أنشطتها الاقتصادية ودورها التاريخي (السياسي) لم يتوقف، بل انتقل إلى أهم القصور الكبيرة، يمكن ذكر ثلاث رئيسية منها: "أولها يسمى تانجيوت وعدد سكانه نحو ألف كانون وبه بعض الصناع. والثاني يسمى تابوعصامت وهو أكبر منه وأكثر حضارة وفيه عدد كبير من التجار الأجانب، واليهود المشتغلين بالصناعة والتجارة. ويوجد في الواقع من السكان في هذا القصر أكثر من بقية الإقليم. والقصر الثالث يسمى المأمون وهو أيضا كبير حصين كثير السكان خصوصا منهم التجار اليهود والمسلمين"[2]. فقصر تابوعصامت الذي لا زال صامدا من الممكن أنه شيد بين سنتي (795ه / 1393 و802ه / 1400م) في جنوبالمدينة الأم والذي كان بمثابة المركز التجاري والحرفي ودارا لضرب العملة إلى غاية (القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي). بينما اندثر القصران الآخران، المأمون وتانجيوت ولم يبق لهما أثر، ويطلق اسم تانجيوت على مقاطعة أو مشيخة بكاملها والواقعة بشمال شرق تافيلالت ومن قصورها مزكيدة، أولاد يوسف والقصر الفوقاني. "كان لكل من تانيجيوت وتابوعصامت والمامون في القرن العاشر الهجري (16 الميلادي) أمير يدير شؤون القصر ويعمل على حمايته من غارات الأعراب. واستقر بهذه القصور الحرفيون والتجار المسلمون واليهود كما كان بكل منها دار سكة تضرب بها مثاقل خفيفة من الذهب الرديء ونقود من الفضة"[3]. من جهة أخرى وابتداء من (القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي) بدأ اسم سجلماسة الذي يعني المدينة، ينمحي من النصوص التاريخية واستبدل في بعض المرات باسم إقليم سجلماسة قبل أن يعوض نهائيا باسم تافيلالت، وهنا يمكن طرح التساؤل التالي: هل اندثرت المدينة بكاملها أم أنها احتفظت ببعض معالمها ولو على شكل قصور كما هو الشأن بالنسبة لقصر الريصاني الذي يرجعه البعض اعتمادا على بعض البقايا الأثرية، إلى العصر المريني؟.. يتبع في العدد المقبل.. —————————————————— 1. Jacques-Meunié (D): Le Maroc Saharien. op-cit (p 284). 2. الوزان محمد بن الحسن، مصدر سابق، الجزء 2، ص: 125- 126. 3. حافظي علوي (حسن)، "تانيجوت"، معلمة المغرب. المجلد السابع، ص: 2230- 2231.