المسائية العربية لم تظهر حركة 20 فبراير لتمر و انتهى الامر،و إنما جاءت في ظرفها المناسب ،فخلخلت الساكن،و حركت الثابت،وبهذا رسخت أسمها في مبحث الفكر السياسي بالمغرب في هذه المرحلة من الالفية الثالثة. و لئن تمثلت قيمتها التاريخية في ظهور صدى لمطالبها بين فئات و طبقات اجتماعية، يرتهن تحسن اوضاعها بما في ذلك ، إقبالها المكتف على العمل السياسي بالتغيير الديموقراطي، فإنها في نفس الوقت وضعت حدا لشبح الخوف الذي صادر طيلة عقود من الزمن، على الفئات الشعبية "حقها في الاحتجاج والتعبير بالتظاهر السلمي عن مطالبها في الارياف كما بالأحياء الهامشية تتجه رغبة" المسائية العربية" في هذا الإطار،إلى سبر رأي مختلف مكونات صف اليسار"الغير مندمج" من خلال مناضلين ضلوا متمترسين في الخطوط الامامية "لحركة 20 فبراير".وهي العملية التي نستهلها بالرفيق "محمد بولعيش القيادي في صفوف الاشتراكي الموحد. المسائية العربية: كيف قرأ اليسار لحظة انطلاق حركة 20 فبراير؟ هل لهما من الوشائج ما يجعلهما وليدي ذات المرجعية و التاريخ السياسي؟أم أن وشائجهما محكومة بعلاقة مغايرة؟ محمد بولعيش: جاءت حركة 20 فبراير (2011) من الناحية التاريخية كتعبير عن استمرارية تراكمية لنضالات الشعب المغربي – واليسار في صلبها – اجتماعيا وسياسيا ، رغم الارتباكات التي رافقت سيرورة وطبيعة هذه النضالات وموسميتها أحيانا ، إذ لا شيء يولد من فراغ ولا شيء يموت نهائيا ، رغم الانحسار العام الملحوظ في تأثير اليسار في الساحة الوطنية وخفوت إشعاعه لأسباب ليس هنامكان التداول فيها . ورغم هذا وذاك استقبلت أطياف اليسار المغربي هذه الحركة - وهي في أوج عنفوانها - بنوع من الاندهاش والانبهار وكأنها فوجئت أو لم تكن تتوقع انبثاق حركة جماهرية شعبية وقودها الأساسي ومحركها شباب في مقتبل العمر ، تمكنوا – بدعم ومساندة من قوي اليسار الراديكلي – بكل هذا الزخم ، وهنا تكمن نقط الإلتقاء بين الحركة وقوى هذا اليسار . ورغم أن العلاقات بين شباب هذه الحركة الفبرارية وقوى اليسار لم تكن تنظيمية ، لكنهما معا يمتحان من معين فكري وسياسي متقارب (وإن بوجود حركة تعتبر "نشازا" وسطها ، كجماعة العدل والإحسان التي "التزمت" بالخط السياسي التي توافقت بشأنه مكونات الحركة الفبرايرية !) ، وهذا ما جعل بعض التنظيمات اليسارية تتهافت للاستقطاب من هذا البحرالشبابي المنطلق من أسار الواقع الرديء . المسائية العربية :ماذا اضافت حركة 20 فبراير للميراث اليساري المغربي؟ و ما الذي استبطنته من تاريخ اليسار؟ شعارا و ممارسة؟ محمد بولعيش: لا شك أن لحركة 20 فبراير حسنات كثيرة وإضافات نوعية في الساحة السياسية المغربية لا تنكر ، كما لها سلبيات تسببت فيها عوامل موضوعية وذاتية قد نعود إليها في مناسبة أخرى ، وخاصة في مراحل تراجعها وانكماشها . من ضمن هذه الإيجابيات أنها صالحت الشباب ، وعبرهم مختلف شرائح الشعب ، مع الشأن السياسي . فبعد أن انسحب الشباب من الساحة لعوامل كثيرة ، ها هو ذا يعود إليها بقوة أكبر وعزيمة أقوى . ومن ضمنها أيضا أنها رفعت سقف "المطالب السياسية" يجسدها شعارها المركزي : محاربة الاستبداد والفساد يترجمها مطلب الملكية البرلمانية حيث يسود الملك ولا يحكم وعدم الجمع بين السلطة والمال ، ومن أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، وهي مطالب طالما ترددت بعض قوى اليسار لتبنيها وجعلها شعارات مركزية لها في مؤتمراتها وأنشطتها . ومن ضمن الإيجابيات أيضا "احتلال"ها (ح 20 ف) للشارع وجعل التظاهر السلمي في الساحات العمومية والشارع العام مكسبا لا رجعة فيه ، ولو تم قمع المسيرات والوقفات أحيانا بشكل هستيري . وهكذا أصبح التظاهر السلمي في الشارع حقا مشروعا لا يتطلب ترخيصا أو إذنا ، وإنما يتطلب إشعارا لا غير وإن كانت السلطات تلجأ إلى رفض أو منع المظاهرة أو المسيرة أو الوقفة من حين لآخر . ومن ضمنها كذلك رفع حاجز الخوف ، فاصبح المواطنون يتحدثون عن كل شيء ، بما في ذلك المؤسسة الملكية ، بجرأة كبيرة وحرية أكبر سواء في الشارع أو الصحف المكتوبة أو الإلكترونية أو الإذاعات والقنوات المتلفزة إن هي فتحت حيزا للمواطنين ليتحدثوا عن همومهم ومستقبلهم المسائية العربية :أفرزت حركة 20 فبراير،اساليب جديدة في الاحتجاج،وأبدعت سواء في طرائق التظاهر و التجمع و التأطير،و رغم ذلك لم تحظى بما يكفي من بالاهتمام المفترض للمثقف و الباحث السوسيولوجي، فإلى ماذا يؤشر ذلك محمد بولعيش: صحيح أن حركة 20 فبراير قد أبانت عن قدرات نضالية عالية وقدمت تضحيات لا يستهان بها ونوعت أساليب عملها ما بين المسيرة والوقفة والتظاهر ورفعت شعارات تجاوزت السقف المألوف ، وكان من المفروض أن ترقى قوى اليسار بوعيها وبعد نظرها إلى مستوى المرحلة ، وأن تضخ في شرايين الحركة دماء جديدة وتقدم لها دعما ماديا وبشريا غير مشروط وأن تساهم في تأطيرها سياسيا وفكريا دون محاولة ركوب أو استخدام ، وهو ما لم يقع للأسف . أما المثقفون فقد استقالوا من مهامهم التنويرية التنظيرية المواكبة لحركات الشعب ونبضات قلبه منذ مدة ، إلا من رحم ربك ! فإما أنهم لاذوا بالصمت وكأن على رؤوسهم الطير ودخلوا في صيرورة انتظارية وقد بهتوا بظهور حركة من حجم حركة 20 فبراير فحاولوا اللحاق بهاء لكن لم يكن لهم النفس الكافي لمسايرتها ، لأن أجسادهم/عقولهم هزلت وارتخت ، وإما أنهم عادوا إلى أبراجهم العاجية مترفعين عن شؤون "الغوغاء" و"الرعاع" موثرين الأرائك الوثيرة يتكئون عليها ويأكلون مما لذّ وطاب يتفرجون من أعلى على الأحداث وهي تمر أمام أعينهم وكأنها أفلام ومسلسلات للتسلية ، وإما أنهم باعوا أنفسهم للشيطان مفضلين السلامة والغنيمة بين تلابيب أهل السطوة والجاه والسلطة ، ويحاولون جر آخرين معهم - بإيعاز من أصحاب نعمهم - إلى الفردوس اللعين ! المسائية العربية : حركة 20 فبراير عنوان مرحلة من التاريخ السياسي الوطني، كيف يتموقع اليسار ضمن صيرورة هذا التاريخ؟ما هي مهامه؟ ماهي إمكانياته ؟ المحاور المفصلية في برنامج الادني الممكن و القابل للتحقق بالنضال المشترك؟ محمد بولعيش:يمكن اعتبار حركة 20 فبراير عنوانا تاريخيا يفصل بين مرحلتين : ما قبل وما بعد 20 فبراير . لأن الحركة وإن لم تعمر طويلا في الزمن فإنها لم تمت ولا يمكنها أن تموت ، ما دامت قد وسمت الواقع الحاضر بميسمها وفتحت نافذة واسعة مشرعة على المستقبل ، وأصبحت نبراسا تهتدي بنوره جل ، إن لم نقل كل الحركات الاحتجاجية سواء أكانت فئوية أو مناطقية أو وطنية أو مهنية . فالحركة حين رفعت سقف مطالبها السياسية والحقوقية والاجتماعية وسعت "قشّابتها" لتستظل بها كل الجماهير المقهورة ذات المصلحة في التغيير متوسلة بالاحتجاج والاعتصام والوقفات والتظاهر والمسيرات وسائل للمطالبة بحقوقها وحرياتها في الشوارع والساحات العمومية التي أصبحت حقولا مشاعة . كل هذا ومعظم فصائل اليسار تراقب عن بعد في انتظارية قاتلة رغم محاولات نفض الغبار هنا وهناك لكنها لا تجدي في واقعنا فتيلا ، وقد تجد نفسها – في المديين القريب والمتوسط – متجاوزة ما دام الواقع يتطور وهي (أي الفصائل) عاجزة عن الإمساك بعنانه لتؤطره وتقوده وتوجهه الوجهة التي تتحقق فيها مطامح الشعب ومصالحه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الفعلية . المسائية العربية كلمة المفتاحية : 20 فبراير