المسائية العربية الصويرة أشعر بغيرة غريبة كل مرة و أنا أقرأ ما كتب وما يكتب عن الصويرة..غيرة مركبة وعصية، ربما بفعل الارتباط الذاتي بفضائها حتى لا أقول الانتماء ..و إن كان شيء من الجفاء يفرض علي الابتعاد عن مدحها ، فإن شيئا من الوله يقودني إلى حتمية الاعتراف ... وأعترف أني غير موفق في صياغة بيانات و تقارير جافة عنها . أحسها أكبر مني و من هذه الكتابات..إذ أحسها مدينة يختلط فيها الوجود والتواجد و التآخي و الجحود و التاريخ و جغرافيا التسامي بالأمكنة و الذاكرة و إلغاء الحدود. هي المشرعة على الحلم و المؤثثة بالضمير و المصير الموكول لكل عاشق لها هي . لتصير بين الحين و الحين مستعصية على التذكر و النسيبان بين الطلاق و الوحدة و التلاقي. تصير كما كانت موعدا جميلا بين خلاف وخلاف ، بين فراق و لقاء ، بين جفاء ووصال. هي المدينة نفسها التي تأخذ منا كل هذا الجهد كي نعيشها ، و الجهد الآخر كي نصير ما نشاء. ..وتجمعنا الصويرة . مهرجان و متعة و فسحة حضارية بادخة للصويرة احتفالاتها ومهرجاناتها العالمية، من مهرجان كناوة و موسيقى العالم إلى مهرجان الموسيقى الكلاسيكية إلى مهرجان الأندلسيات الأطلسية الذي خلد هذه السنة دورته العاشرة ، والتي أكدت مدى قدرة المدينة على احتضان الجمال و الفن و الموسيقى من خلال ريبيرتوار مندمج و خالد و فريد ، يجمع الأديان في وحدة الموسيقى و حضرة الإبداع في أفق تكامل إنساني و كوني ، يلغي النعرات و التفرقة و الإقصاء و الجفاء ، لمة انسجام بين مسلمين و يهود و مسيحيين ، و يكسر الحواجز بين الأجيال ، من شيوخ و رواد وشباب . يدعو إلى اعتناق الحب ملة ، و التعبير الحر أسلوبا و منهجا. كانت الموسيقى في الصويرة نموذجا لإعادة صياغة التاريخ و فق منهج التسامح والتآخي تأسسا لمشروع الأمل الممكن في الإنسان .و موازاة مع الموسيقى ، ثمة منتدى المهرجان و ندواته الصباحية و التي يمكن اعتبارها محطة عالمية و دولية للنقاش الحر و العميق « الذاكرة و التاريخ ، أهمية الروابط و أهمية المكان ، بين الذاكرة والنسيان « . لا هامش للديماغوجيا هنا و لا مكان للمزايدة لمحاصرة التاريخ ، هي لحظات للاعتراف بقدرة التاريخ على إعادة كتابة نفسه بنفسه و رد الاعتبار للسلم و التعايش و التآخي عبر العالم و من الصويرة. تنمية مترددة بحضور الجميع و إكراهات ملازمة و مستدامة قد لا يزكي الجميع نفس الطرح ، وقد يرى كل من زاويتة ما يرى ، وقد يكون الحديث عن التنمية و أزمتها تعميما لنقاش و سجال مستهلك ، لكن للموضوعية حق في الإعلان ، و هنا في الصويرة و بحكم الموضوعية نفسها يجب الاعتراف بالقصور التنموي الذي تعرفه المدينة و الإقليم ، و هي المدينة المصنفة تراثا إنسانيا من قبل اليونسكو منذ 2001 ، التصنيف الهش الذي قد تفقده في أي لحظة ، و في غفلة منا جميعا . فالتردي و التراجع و التجاوز باد للعيان ، و يطال العديد من مظاهر الحضارة و العمران و المآثر التاريخية بالمدينة ، و إن تم الاجتهاد مؤخرا لإعادة الروح ألى سور المدينة العتيق ، فإن العديد من المواقع تشهد مدا متقدما في التلاشي ، من حي الملاح إلى القنصليات الأجنبية إلى الأحياء و الأزقة و الشوارع . كما يشهد الجميع على مستوى التدخل البشع للبناء الماسخ للهوية و الجمال و استغلال فوضوي للفضاءات بشكل فاضح ، و الترويج لثقافة الربح السريع و استغلال النفوذ ، و بيع التاريخ و الحضارة ،و مقايضة الرمزي بفتات هوامش الاستثمار و أشباهه . وإذا كان السطو المعلن ، و التردي ، و التهميش يطال العديد من فضاءات المدينة و أرجائها ، فإن الأمر يصير مستفزا و صارخا حين نحاول جرد البنيات الأساسية و مستوى خدماتها ، فهي الصويرة عينها ، مدينة العالمية و المهرجانات الدولية التي لا حق لها في مركبات ثقافية و لا حق لها في مسارح و لا سينما و لا مكتبات حقيقية و لا قاعات عروض بمواصفات احترافية ولا فضاءات خضراء لائقة ...و حتى مشروع تأهيل الشوارع و مداخل المدينة لا زال متأرجحا بين إتمام الأشغال و الجودة و العقلنة و التعميم على مناطق و أحياء المدينة ، وعلى المتسائل أن يمر في جولة عبر التجزئات السكنية و على أوضاع الحي الصناعي سابقا. الصويرة مدينة صغيرة محاصرة بإقليم قروي شاسع و فقير ،يحتاج لتنمية حقيقية و صريحة بديهية هي المعادلة ،.. طوباوية هي النظرية التي تلغي ضرورة انسجام المركز و الهامش ، وإذا اعتبرنا الصويرة مركزا و حضيرة لإقليم ، فلا تنمية تستقيم في غياب الانسجام ذاك . ومحيط الصويرة و بواديها تعيش واقعا بعيدا عن التنمية و التأهيل . و الأسباب هيكلية و مركبة و متعددة ، تتنوع فيها مظاهر الهشاشة و ضعف الموارد و قساوة المناخ و الجغرافيا و امتداد أحزمة الفقر و تردي أوضاع الساكنة في المداشر الموزعة على أرجاء إقليم شاسع. فالمسلسل التنموي في بعده الأفقي لم يجد طريقه الصحيح بعد ، و المبادرات رغم تعددها ، و رغم ما حققته من مكتسبات و نتائج نسبية لا زالت بعيدة عن المستوى المطلوب . وإن كان المقال هنا لا يسع سلطة الأرقام و المؤشرات الدالة ، فالكل يعلم وضع التعليم و الصحة و الخدمات و البنيات التحتية و الاساسية بالإقليم ، و البديهي هنا و الجلي أكبر من التحليل و البرهنة. فمن أين الحديث عن تنمية مستدامة لمدينة غير قادرة على احتواء و احتضان هوامشها ، والاندماج مع محيطها ؟ على سبيل الختم الجميل و الحالم ..ورغم ذلك ، تبقى الصويرة رمزا للتاريخ الذي لا يدجن ، رغم كل التنكر البادي من خلال التقويمات الموضوعية للمرافق و لواقع الحال ، الصويرة هي البساطة العصية و الدالة على الغنى رغم مؤشرات الهشاشة الفاضحة للسياسات بكل نواحي الإقليم ، ..هي العرس المغتصب حينا و المتجسد و المتجدد حينا ، العرس الذي يعيد كل مرة ترتيب آهات كل عاشق لفضاءاتها و دروبها و ناسها و عشاقها ... أيقنت منذ مدة أن المدينة لا تكتب بقلم و لا بحاسوب و لا بآلة تصوير و لا بكاميرا..المدينة تكتب بقلب و في القلب كالعشق الأبدي .تصير كالروح فينا و كالنفس العميق الذي به نحيى و به نموت .هي المدينة نفسها التي تجمع كل غياب العالم لتعلنه حضورا جميلا بيننا . هي اللقاء الحالم . هي المدينة فقط و بكل بساطة. لقد توالى على عمادتها أسماء فطاحلة في مجالات الفلسفة والأدب والفكر الإسلامي، كل واحد منهم بصم تاريخها ببصمته الخاصة، تبعا للمرجعيات المعرفية والتربوية المتحكمة والموجهة لأولئك الأساتذة الكبار. وعلينا تسجيل حقيقة لم ينتبه لها كثيرا، هي أن القليل منهم من انتصر للإداري فقط أكثر من العلمي، وأن من فعل ذلك يكاد يشكل النسبة الأضعف عدديا. وشهدت إصداراتها تنوعا متميزا منذ أواسط السبعينات، جعل مكتبتها واحدة من أغنى المكتبات بالمغرب وبالمغرب العربي. مثلما أن المرجعية الفكرية والمعرفية لأغلب عمدائها قد ظلت موزعة بين المرجعية الفرنسية أو المرجعية المشرقية، مما يجعل اليوم، مرحلة عميدها الأستاذ عبد الرحيم بنحادة، تتميز بأنه آت من ثقافة أنغلوساكسونية مختلفة تكوينا ومنهجة عمل وتقنيات تواصل معرفية، مما جعل أثر مرحلته يتميز بخصوصيات واضحة غير مسبوقة. علينا أن نعترف، هنا، للرجل أنه أنقد العديد من الوثائق التاريخية المهمة، ومن المصادر الهامة، بفضل مرجعيته الأكاديمية، كونه باحثا في مجال التاريخ. وأن منهجيته في البحث والتوثيق قد جعلته يعلي من قيمة الأثر الكبير للمنتوج الفكري للكلية، عبر العديد من الإصدارات التاريخية والأدبية والفكرية والفلسفية والجغرافية، بمختلف اللغات، التي تعتبر اليوم مراجع حاسمة في فهم قصتنا كمغاربة في ذاكرة الأيام، خاصة في الأرشيفات الإنجليزية والإسبانية والألمانية. وأنه أطلق مشروعا متكاملا بدأت تظهر نتائجه الواضحة، خلال السنوات الأخيرة، انتقلت معه الكلية إلى مؤسسة متفاعلة مع محيطها الإجتماعي ومحيطها الإقتصادي ومحيطها العلمي، مما يؤسس لرؤية أنغلوساكسونية في جعل المعرفة تغدي المجتمع والمحيط، وتتغدى من خلال تفاعها مع مؤسساته بمختلف أدرع إنتاجها وأدوارها في دورة التنمية العامة للبلد والناس. وهذه خطوة ذكية غير مسبوقة في مجال تسيير كليات الآداب بالمغرب. بدليل أنه قد نجح مع فريقه الذي أدمجه في رؤيته وتصوره، بسلاسة معرفية تواصلية ذكية، في أن يعيد لكلية الآداب ألقا معرفيا تربويا فقدته خلال العقدين الماضيين، وجعلها مجالا للإغراء بالدراسة فيها لأجيال جديدة من الطلبة، من خلال نوعية المواد المدرسة وكيفيات ذلك، التي تجعلها مرتبطة بسوق المعرفة والإنتاج في المغرب. الشئ الآخر، الذي يسجله المرء باعتزاز في منجز باحث مغربي رصين مثل الباحث المؤرخ عبد الرحيم بنحادة، من موقعه كعميد لكلية الآداب بالرباط، أنه لم يضن أبدا على أي باحث مغربي أكاديمي بحقه في النشر ضمن منشورات الكلية، مما جعل كل الأسماء ومن مختلف التخصصات والمباحث العلمية تجد فرصة لإيصال جزء غير يسير من أبحاثها العملية إلى الجمهور العام. وهذا أغنى رصيد مكتبة الكلية عاليا، وجعلها اليوم مرجعا دوليا لا غنى عنه لكبريات الكليات في العالم، سواء في البعد العربي أو الإفريقي أو المتوسطي أو الأنغلوساكسوني. وأن العديد من اتفاقيات التعاون والشراكة قد وقعت بسبب من ذلك مع تلك المؤسسات الجامعية الدولية وأدخل الجامعة المغربية عبر فرعها (كلية الآداب) في دورة الإنتاج العلمي الأكاديمي العالمي، ورسخ من مكانة هذه الكلية العريقة في المشهد العلمي والفكري مغربيا وعربيا وإفريقيا. كل هذا تأسيسا على نجاحه في جعلها اليوم مرجعا أكاديميا يقدم الجواب العلمي الرصين والدقيق عن كل أسئلة المعرفة المغربية، وأنها تحولت إلى بنك معلومات أكاديمية وعلمية رفيعة لا غنى عنها لكل الباحثين من ذوي الإختصاص في مجالات الفلسفة والتاريخ وعلم الإجتماع وعلم النفس والنقد الأدبي والجغرافية في العالم. هذا كله، يجعل المرء لا يتردد في إعلان الإعتزاز بهذا المنجز المغربي، لواحد من أبناء المغرب الباحثين الرصينين، العاملين في صمت وبنكران كبير للذات، المنتصر دوما للعمل الجماعي. وبفضل ذلك ربح المغرب وليس فقط كلية الآداب بالرباط، منهجية سلوكية علمية تواصلية منتجة غير مسبوقة، أعادت للكلية تلك ألقا مغربيا ومغاربيا وإفريقيا وازنا. شكرا الأستاذ عبد الرحيم بنحادة أنك فعلت وأنك ستفعل في القادم من الأيام أكيد. المجموعة طبعت بدار الجامعيين للننشر و قام الأستاذ حسن برطال بتقديمها كما أعد الدكتور مسلك ميمون قراءة نقدية عنها .فيما تولت الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا طباعتها تشجيعا للنشر . يقول عنها الدكتور شريف عابدين « كان من نتائج انعقاد المهرجان العربي الثاني للقصة القصيرة جدا بمدينة الناظور تأسيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا ، والهدف الذي قامت من أجله هذه الرابطة هو تجميع كل المبدعين والنقاد والمهتمين بالقصة القصيرة جدا في مؤسسة ثقافية راعية، تعمل على التواصل بين الكتاب في مجال القصة القصيرة جدا، إضافة إلى تبادل الخبرات والمعارف والأفكار حول هذا الجنس الأدبي الجديد في ساحتنا الثقافية العربية. وتعد هذه المجموعة القصصية أولى فعاليات جهود الرابطة لدعم المبدعين العرب من كتاب القصة القصيرة جدا الذين تم اختيارهم من خلال المنتديات الرقمية وتقديمهم في أول مشروع للنشر الورقي. وتضم الأضمومة و هي ديوان شعري يتضمن 16 قصيدة شعرية و هي كالتالي: - مع عروس الجمر - مديح الغواية - بسمة الثلج - اكتبني - رجع الحنين هروبا مني إليك - أنت العاشق -عيناك -قارعة النسيان -انحرافات شهقة -شاهدة الحلم الحزين -حمم فرقة أبدية -شهد النسيان ناداني - مع دوخة الجوع - بالاحضان..ياحلمي القادم - تداعيات من جرح الشوق.