اعتبر الناقد قاسم مرغاطا، أحد أعضاء مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، أنه إذا كان جيل من الكتاب قد خرج من معطف رائد القصة المغربية محمد زفزاف فإن الراحلة مليكة مستظرف «خرجت من سابع زفزاف»، بإنجازها لمتخيل قصصي يكتسب شرعيته رغم أنف المؤسسة الثقافية. وأضاف في ندوة حول «التجربة القصصية للقاصة الراحلة مليكة مستظرف»، نظمت ضمن مهرجان مشرع بلقصيري الوطني الثامن الذي خص دورته هاته للقاصة مستظرف، أن القصة عندها تعتمد اللغة المغربية التي تقطع مع السرد المشرقي، وتلبس لباسا مغربيا ضد هجنة اللغة الأنيقة التي تعتمد الشكلانية ويغيب عنها السرد، كما أنها تحتفي بالحياة المغربية، في كرنفال عجيب يزاوج بين الرغبة والإخفاق، بين الرجل المستبد والوديع في ذات الآن. وخلص، في هذا اللقاء الذي نظمته جمعية النجم الأحمر للتربية والثقافة والتنمية الاجتماعية بمشرع بلقصيري، إلى أن مليكة تمثل الكاتبة التي وجدت أبَها الأدبي باكرا، كما أنها تستلهم من المجتمع المغربي تيمات نصوصها وتستبطن روح العامية ومتخيل البيضاء الشعبي. وتناول باقي المتدخلون وهم النقاد والباحثون سعاد كنون والحبيب الدايم ربي وسعاد مسكين وعبد الله المتقي ومحمد محبوب، تجليات الرفض في المجموعة القصصية «ترانت سيس» لمليكة مستظرف، وذلك بعد القيام بجرد لمجموع نصوص المجموعة، واستجلاء بعض المظاهر السائدة في المجتمع مع اتخاذ موقف منها، ومساءلة الصور النمطية في المجتمع، مشيرين إلى أن كتابتها كانت كحياتها، وأنها كانت ترصد مختلف المظاهر والعلل النفسية والاجتماعية ككبت الرغبات مثلا نتيجة سيادة التقاليد ...الخ. ومن جهته حذر الناقد مصطفى جباري، من مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب التي تأسست في كلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء، من توحيد الصوت القصصي ومن أحادية أفق القصة القصيرة في المغرب، وذلك خلال ندوة «تجربة الإطارات القصصية بالمغرب: دواعي التأسيس، المسار والإكراهات» التي نظمت في إطار مهرجان مشرع بلقصيري الوطني الثامن للقصة القصيرة، دورة مليكة مستظرف. وأضاف إبان حديثه عن تجربة مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، أن القصة في السبعينات كانت أكثر تعددا وتنوعا من الآن، إذ فتحت آفاقا لظهور أنواع من القصص، كالقصة الفطرية والقصة الواقعية الفنية، بمعنى أن القصة المغربية كانت تاريخيا أكثر تشعبا وتنوعا، لكن في مسارها، عرفت بعض الإجهاض لبذور التنوع، متخذة اتجاها آخر أقرب إلى التوحيد. وبعد أن استعرض بعض التجارب التي ظهرت قبل مجموعة البحث، والتي كانت على شكل جمعيات، ثم فشلت بسبب الصراعات حول الزعامة، تطرق إلى النواة الأولى التي تأسست في بداية تسعينيات القرن الماضي والتي كانت تسمى «حلقة الكتابة» والتي استمرت حوالي ثماني سنوات، قبل تأسيس مجموعة البحث سنة 1998، والتي يعود الفضل فيها للأستاذ علي القرشي. واستطرد أنه لم يتم التفكير في تأسيس جمعية تخوفا من هذا الفشل، إذ بدا للمبادرين أن الجامعة ستشكل الحصانة التي تمكن من الاشتغال بطريقة علمية وإبداعية، وتقضي منذ البدء على فكرة الزعامة والرئاسة، وأن البنية التي تشتغل بها مجموعة البحث هي بنية جماعية إذ تتم مطارحة الأفكار، وانطلاقا منها صياغة المشاريع كإقامة ندوات أو ورشات...الخ، وكان هذا ضمان الاستمرار طوال هذه السنوات، وهي بنية منفتحة على محيطها الثقافي والقصصي، وهذا الانفتاح جلب عليها عدة مشاكل من ذات المحيط. وبنبرة فيها كثير من الواقعية، لاحظ أن مجموعة البحث لم تحقق التراكم المطلوب، «فأحيانا يحضر معنا بعض الإخوان، وبعد مرور سنوات يعودون إلى الحضور مرة أخرى، ولا يجدون أن الحال تغير» معوزا ذلك إلى غياب التوثيق وغياب الإظهار (l?invisibilité). كما أشار إلى سيادة الإخوانيات والإرضاء في النقد، مما يجعله لا يلامس المشاكل الحقيقية للكتابة القصصية. ومن جهته، تطرق لحسن آيت ياسين عن نادي الهامش القصصي بزاكورة، بعد إشارته إلى تاريخ تأسيس النادي سنة 2002، إلى الإكراهات التي اعترضت طريق النادي، منها ضعف الدعم، خاصة في البداية، وغياب الاهتمام وتركزه حول الجمعيات التنموية التي تكثر من الاحتفالية والبهرجة، فضلا عن سخرية البعض الذين باتوا يطلقون تسميات مثل استوديو القصة أو جماعة القصة، إلا أن تضحيات أعضاء النادي واستجابة البعض من خيرة المبدعين ساعد على تخطي هذه الصعوبات. وقام بجرد لأعمال النادي، واللقاءات التي نظمها، والتي تجاوزت الصعيد الوطني لتصل إلى العالم العربي بحضور فلسطين وسوريا والجزائر والسعودية ودخوله بعد ذلك في تجربة جديدة تتعلق بالاحتفاء بالتجارب الخاصة ليصل إلى عشر سنوات من الإبداع بتنظيمه خلال هذه السنة لآخر مهرجان حمل عنوان «رسوخ في الذاكرة والمكان». كما أشار في معرض حديثة، إلى جائزة أحمد بوزفور للقصاصين الشباب في العالم العربي، التي ينظمها النادي. ومن بين الإكراهات، التي ما يزال النادي يواجهها، كونه لا يتوفر على مقر يلتقي فيه القائمون عليه ومنخرطوه وعشاق الأدب، ويكون مكانا آمنا لخزانته وكتبه، كما أن اهتمام الناس بدأ يخفت ويتجه صوب الكرة والدردشة عبر الأنترنيت، كما تراجعت القراءة واستهلاك الكتاب لصالح وسائل الاتصال الحديثة. وقال آيت ياسين «إن ما نعيبه على أنفسنا هو أننا بدأنا نتراجع فيما يخص لقاءاتنا داخل الثانويات، باعتبارها المشتل الذي توجد فيه براعم مواصلة كل ما بدأناه، فضلا عن غياب التنسيق بيننا وبين الجمعيات». وعلاوة على هاتين الندوتين، فقد تميز المهرجان بقراءات قصصية لعدد كبير من كتاب القصة المغاربة، تبرز مختلف الحساسيات والأجيال القصصية، كما تميز بالإنصات إلى صوت موسيقي جميل، غنى قصائد لمحمود درويش بعد أن لحنها وعزفها على العود رفقه عازف على الإيقاع، كما تميز بلحظات رائعة استمتع فيها المشاركون بالموسيقى المحلية مع فرقة أحواش وفرقة الهيت التي جلبت إلى الحلبة عددا كبيرا من الكتاب الذين لم يقدروا على مقاومة إغراء الرقص