أحمد زكي يتناول هذا الكتاب قضية الترقيم وعلاماته في اللغة العربية؛ نظرًا للأهمية التي تلعبها تلك العلامات في تسهيل الفهم والإدراك لدى المتلقين؛ فهي تعينهم على فهم المقاصد التعبيرية التي وُضِعَت من أجلها الجمل والعبارات، وقد تناول الكاتب قضية الترقيم بين القدماء والمحدثين، وأشار إلى العلامات الترقيمية المستحدثة التي وفدت إلينا من الغرب، والتي لم يَعْهَدها علماء اللغة قديمًا؛ كالفصلة، والفصلة المنقوطة، وأقواس الاقتباس. ويتناول الكاتب في هذا المُؤَلَّف الأسس والقواعد التي ينبغي مراعاتها في الكتابة، ويتضمن هذا الكتاب القواعد الخطية المتبعة في رسم بعض الحروف، والحركات الإعرابية الموضوعة عليها، ويوضح مدى أهمية تلك الحركات في ضبط الأعلام الجغرافية والتاريخية، كما أشار إلى ظاهرة اختزال بعض الكلمات مثل كلمة «إلخ» التي تعني إلى آخره، والجمل الدعائية الشائعة الاستعمال، وكأنه بذلك المُؤَلَّف قد رَسَّم الحدود التعبيرية للعلامات الترقيمية في اللغة العربية. عن المؤلف أحمد زكي باشا مفكر مصري عربي، يعد أحد أعمدة النهضة العربية الحديثة، وهو أول من أدخل علامات الترقيم في الكتابة العربية الحديثة، وصاحب مكتبة شخصية تضم حوالي ثمانية عشر ألف مجلد، وهو أول من أطلق على الأندلس التسمية الشهيرة «الفردوس المفقود»، وأول من استخدم مصطلح «تحقيق» على أغلفة الكتب العربية، وهو أحد الرواد الذين عملوا على جمع المخطوطات، وتصويرها بالفوتوجرافيا وتحقيقها، وقد لقب ب«شيخ العروبة». ولد أحمد زكي إبراهيم عام 1867م، وتوفي أبوه وهو صغير؛ فكفله عمه — وكان رئيسًا للمحكمة الابتدائية الأهلية. وقد تلقى أحمد زكي تعليمه بالقاهرة، وتخرج من مدرسة الإدارة (كلية الحقوق) عام 1887م، وقد أجاد زكي الفرنسية إجادة تامة إضافة للإنجليزية، والإيطالية، واللاتينية، كما عمل مترجمًا في مجلس الوزراء، وتدرج في المناصب حتى أصبح سكرتيرًا للمجلس عام 1911م، حتى أحيل إلى التقاعد. وقد عاصر أحمد زكي باشا كبار أعلام النهضة العربية، كرفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، فكان لا يقل عنهم قدرًا بعلمه، وقد كان زكي باشا كثير السفر والترحال؛ فقد سافر إلى انجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، وأسبانيا، كما سافر إلى الشام، واستانبول، والقدس، واليمن وقبرص، وقد تركت هذه الأسفار أثرًا كبيرًا في حياته العلمية والأدبية؛ حيث أتاحت له زيارة عشرات المكتبات والاطلاع على مؤلفات أعلام الشرق والغرب. وقد كرَّس الرجل جهوده الفكرية في التحقيق، والترجمة، والتأليف، فكتب في التاريخ، وأدب الرحلات، والأدب، واللغة، وحقق كثيرًا من المخطوطات؛ فقدم لنا أكثر من ثلاثين كتابًا مؤلفًا، كما ترجم العديد من الكتب، بالإضافة إلى مئات المقالات التي كتبها في مجموعة من الصحف والمجلات العربية — آنذاك — كالأهرام، والمقطم، والبلاغ، والمؤيد، والهلال، والمقتطف، والمعرفة، والشورى، ومجلة المجمع العلمي (دمشق). وقد تميز زكي بانتقاده للأساليب التقليدية في الكتابة، حيث طالب بلغة واضحة ومألوفة تلبي احتياجات الأمة الفكرية والحضارية، وقد اعتمد أسلوبه في الكتابة على التشكيل البصري؛ فتحرر من السجع والمحسنات البديعية. وقد توفي عام 1934م إثر إصابته بنزلة برد حادة.