وأخيرا إنتهت سلسلة التعديلات الدستورية وفازت نعم في الاستفتاء الدستوري، بعد معركة ومخاض لازم هاته السلسلة/ الصيرورة، لم يسبق أن عرف المغرب مثله، حيث اتسمت الدساتير الخمسة السابقة بضيق وحصر فضاء التداول فيها وحولها، عكس هذا الدستور السادس للملك محمد السادس الذي انخرط الكل رغم أنف الجل المخزني في تتبع ومناقشة آليات إنجاز مشروع الدستور المستفتى حوله في فاتح يوليوز. والآن ستبدأ حلقة جديدة ضمن جدول أعمال الدولة وجل الأحزاب بانتخابات البرلمان في أكتوبر المقبل وما سيتلوها من انتخابات جماعية ومهنية ستتوج بمجالس جهوية جديدة موسعة وغرفة ثانية جديدة مقلصة، وستنتهي الجولة بعد اكتمال حلقاتها بحط أوزار من جيش لإنجازها، ليعود الموضوع/ القضية إلى الواجهة، في صيغة السؤال عن ماذا تحقق على أرض الواقع و في الملموس من مطالب حركة 20 فبراير والحراك الاجتماعي ككل، والمعبر عنها بشعار الشعب يريد إسقاط الفساد والذي لن يتأتى إلا بمحاربة ومعاقبة المفسدين وبناء وسيادة دولة الحق والقانون؟. وفي تقييم أولي نرى أن الحراك الاجتماعي الذي انطلق منذ 20 فبراير ما كاد يتسع ويأخذ أبعادا أكبر في البلاد، حتى نبتت بجانبه الحركة الدستورية، وأخذت تزاحمه، مما جعل الجميع يدخل في حالة ترقب حول ما ستتمخض عنه هذه الحركة من نتائج؟. فدخل الجميع في تخمينات تختلف في سقفها، من ملكية برلمانية إلى المطالبة بالحفاظ على ملكية بكل سلطاتها، فجاء الخطاب الملكي الأخير واتضحت الرؤية أكثر وحسم الاستفتاء الأمر!. ومن المفارقات التي أفرزها الدستور، هو التناقض الصارخ بين نصه الذي يراد له أن يكون حداثيا وبين الحملة التي تشنها الإدارة وامتداداتها حتى السلوكات البلطجية من أجل التعبئة للتصويت، والتي اتسمت في مجملها بإعادة إحياء الأساليب العتيقة في التجييش والإستمالة. لقد أخرجت الإدارة كل ممارساتها المخزنية البالية للتدخل المباشر، ليس فقط للتصويت على الدستور، بل كذلك لمواجهة حركة 20 فبراير والحراك الاجتماعي وإعداد العدة اللوجيستيكية والبشرية للانتخابات المقبلة. فهل تجييش الزوايا العتيقة في هذا الوقت بالذات مؤشر نحو السير إلى الحداثة؟ أم إعادة إنتاج المخزن العتيق لنفسه كما كان دائما عبر التاريخ؟. إن منطق الأشياء يبين أن الحداثة لا يدافع عنها إلا الحداثيين والمتشبعين بثقافتها، والعكس صحيح، بالنسبة للزوايا الذي أريد لها أن تدخل الحراك، فقد تبت ذلك من خلال الشعارات التي رفعتها هاته الزوايا والتي اختلطت فيها المطالبة بالتصويت بنعم وبين الأذكار ذات الطابع الصوفي المحض. عدم ظهور ومشاركة الزوايا في برامج القنوات التلفزية العمومية لشرح آرائها، هل هي تدخل ضمن محميات المخزن التي يتم تحريكها وقت الحاجة لها دون إضفاء الطابع السياسي عليها؟. والأكيد أن ما سبق وما سيأتي بالارتكاز على ما سبق إلى أن يثبت العكس، لن يزيد في آخر الجولة بعد اكتمال حلقاتها، الحراك الاجتماعي إلا مصداقية وشرعنة قضيته، خصوصا أن الملامح والمعطيات البادية من شأنها أن تعيد إنتاج سيطرة الأحزاب التي أصبحت جزءا بنيويا من الآلة المخزنية الكبيرة التي تمت مأسستها بشكل أكثر فعالية وقدرة على إعادة إنتاج القديم ضد الحداثة والجديد. أما البلطجة المغربية التي ستصبح في عطالة بعد نهاية الجولة، ستكون قد عرفت عن قرب قضية ومطالب حركة 20 فبراير التي كانت مكلفة بمواجهتها، والأحزاب الممخزنة التي كانت تسخرها لإنجاحها، والتي لم تعد بحاجة لخدماتها، مما سيخلق فراغا في المهمة والمردود المالي، وهكذا ستتجدر حركة 20 فبراير وستتحول من حركة لشباب متمدن ومتعلم إلى قضية شعبية عريقة أفقيا وعموديا في مطالبها بما فيها الأوضاع الحقيقية للشباب البلطجي الذي سيكتشف بأن أباه أو أمه أو أحد إخوته مات نتيجة عدم القدرة على مداواته إزاء مؤسسات طبية غير مجانية وذات منتوج غير صحي، ونفس الشيء إزاء المنتوج التربوي والقضائي والتشغيل والسكن. و.... فما أحوج البلاد والعباد للإصلاح السياسي العميق وللخطوات الملموسة نتائجها على الحياة اليومية وكرامة المواطنين والبلطجية على حد سواء. إن المغرب يملك الآن كل المقومات لدخول عصر الديموقراطية والكرامة، كما يملك كل مقومات التجييش والبلطجة للبقاء خارج التاريخ والعصر والكرامة، فحذاري من الاصطدام لأن البقاء في هذه القضية ليس للأقوى بل للأصدق والحقيقي، وإن إرادة الشعوب من إرادة الله. ذ. محمد الحجام