سكان دواوير بجماعة سيدي الزوين لازالوا يغطون في الظلام مراكش / للمسائية العربية فوق حصير من الدوم المتآكلة أطرافه، نشر عبدالله لوازمه الدراسية وهو جاثم على ركبتيه الصغيرتين للاقتراب من كراسته، وحده صوت الأوراق وهي تتقلب بين يديه من يبدد سكون الغرفة المتواضعة التي استبد بها الظلام، انهمك الصغير في انجاز تمارينه على ضوء شمعة تسابق حتفها، وفجأة دخلت أمه الغرفة وطلبت منه الإيواء إلى فراشه، للاحتفاظ بما تبقى من شمعته لأي طارئ، لم يتقبل الابن الأمر فهو لم ينه بعد واجباته المدرسية، وبدأ يتوسل أمه في أن تمهله بعض الوقت لإتمام تمارينه، غير أن الأم التي نفذ لديها ما تحتفظ به من شموع رفضت الإنصات إليه، أخذت الشمعة من أمامه فحال الظلام بين عبدالله وبين حروف كتبه، تسلل الصغير إلى فراشه وهو يغالب دموعه التي بللت خذه، فهو لم يتعود على إهمال واجباته المدرسية مثلما لم يسبق له أن جلب عليه غضب معلميه، يحدث هذا بأحد الدواوير التابعة لجماعة سيدي الزوين، وهي جماعة تقع على بعد 36 كلم إلى الغرب من مراكش، أحدثت بموجب التقسيم الجماعي لسنة 1992 على مساحة 50 كيلومترا مربعا تقريبا. تفاصيل حكاية عبدالله تختزل واقع معاناة تجترها مئات الأسر التي تقطن المجال الريفي للجماعة جراء التهميش، فبعد مرور أزيد من عقد على انطلاق برنامج كهربة العالم القروي الشمولي لازالت معظم دواوير الجماعة بدون كهرباء وما زالت ساكنتها تعتمد على وسائل بدائية لتبديد ظلام لياليها. لقد ظلت تلك الدواوير التي تقع ضمن مجال قروي يستأثر بحوالي 80 بالمائة من المساحة الإجمالية للجماعة خارج اهتمامات السياسات المحلية للمجلس الجماعي، ولم ينبها من شعارات النهوض بالعالم القروي سوى بضع نقط مائية لم يتم تفعيلها إلا مؤخرا. دوار سيدي على مسعود - مهد الشيخ محمد الزوين مؤسس الزاوية الزوينية التي شكلت نواة للمركز الحضري للجماعة- والذي يقع إلى الشرق من الجماعة على بعد كيلومتر تقريبا، كان أول دوار محظوظ يتم ربطه بالشبكة الكهربائية، تلاه دوار الخماسة الواقع في الجنوب الشرقي للجماعة على الطريق الوطنية رقم 08 ولكن بمبادرة من إحدى الجمعيات التنموية بشراكة مع وزارة التنمية الاجتماعية، وبعدهما جاء دور تجهيز دوار بلحمرية معقل أحد أقدم المستشارين في تاريخ المنطقة ، واكبته موجة من الانتقادات في صفوف الساكنة التي اعتبرت الأمر مجاملة ومحاباة وسعيا الى تحصين المعاقل الانتخابية، ثلاثة دواوير إذن هي حصيلة انجازات المجلس الجماعي في سياق البرنامج الشمولي مند بدءه. في طريقنا الى دواوير سي الهاشمي وأعزيب المتوكي السفلي والأعلى والتي تتناثر تباعا على الحدود الغربية المتاخمة لجماعة لمزوضية، يتضاعف زمن المسافة بفعل رداءة المسالك، فحالة الطرق تعمق من معاناة الساكنة التي تلوذ بمنازلها الطينية البسيطة. والمداشر هجرها الرجال نحو مزارعهم منذ الصباح الباكر، وحده نباح الكلاب من يكسر السكون المطبق على المكان، ومظاهر التهميش تجتاح كل الربوع، "ملي تدارت الجماعة هادي عشرين عام وحنا ضايعين لاطرقان لاضو" يقول شيخ كان يجلس بجانب جدار بيته. قبل أن يضيف" حتى المقبرة ديالنا اللي راب ليها الحيط مهداهم الله ايبنيوه" في إشارة منه الى حالة المقبرة الوحيدة التي تتواجد خارج مركز الجماعة والتي أصبحت مفتوحة على جميع الاتجاهات بعد انهيار جدارها الطيني بفعل عوامل الطبيعة. في الواجهة الأخرى الى الجنوب من الجماعة تعيش ثلاثة دواوير أخرى نفس الوضعية خارج برنامج كهربة العالم القروي ويتعلق الأمر بدوار الزوادحة، الحافظ، وقاشبة وفي وسطهما تتجسد معاناة ساكنة دوار دار أعمر وأجزاء من دواري بن الجيلالي وعبد الواحد لتكمل حلقة سلسلة من تسع دواوير ظلت تعيش خارج اهتمامات المسؤولين الذين يتولون مقاليد تدبير الشأن المحلي لعقدين من الزمن. " كاع الدواور اللي دايرين بنا عندهم الضو إلا حنا كتاب علينا نبقاوا في الظلام طول حياتنا" يقول أحمد من دوار عبدالواحد وهو يشير بيديه في الاتجاهات الأربع والمقصود طبعا الدواويرالتابعة لجماعات مجاورة والمتاخمة لجماعة سيدي الزوين مثل جماعة لوداية، أيت ايمور ولمزوضية والتي استطاع بعضها تعميم شبكة الكهرباء على جل ساكنة مجالها الترابي، قبل أن يقاطعه إيدر أحد ساكنة دوار بن الجيلالي" الطريقة اللي تيتعامل بها المسؤولين مع الضو معندها حتى علاقة مع منطق الأولويات أولا الحكامة اللي تتهضر عليها الحكومة، المسألة تتحكم فيها الحسابات الانتخابية أكثر من أي حاجة أخرى". في بداية انطلاق البرنامج كان المسؤولون والمنتخبون الجماعيون يتذرعون بمسألة تشتت المساكن الريفية لتفسير عجزهم في كهربة الدواوير التابعة للجماعة، لكن الذرائع لم تكن كافية لتقنع الساكنة التي اختار الكثير منها تحت وقع التهميش ووطأة الجفاف خيار النزوح نحو مرفقي الماء الصالح للشرب والكهرباء إن بمركز سيدي الزوين أو بوجهة أخرى توفر نفس المتطلبات، والآن وبعد الشروع في هذا البرنامج الذي يسير على وقع مشي السلحفاة، فإن على ما تبقى من ساكنة الدواوير التسع والتي لازالت تغط في ظلام حالك، تحمل النزوات والحسابات الانتخابوية التي تتحكم لوحدها في وجهة الأعمدة الكهربائية.