كلية الآداب – مكناس. دعت "جمعية" النقابة الوطنية للتعليم العالي إلى إضراب وطني أيام 18 و19 و20 يناير 2011. وهو الإضراب الذي يعقب إضرابا آخر كان دعا إليه نفس الإطار منتصف الشهر الماضي. فما خلفيات هذا الإضراب؟ وما الداعي إليه؟ وما الأجندة التي يندرج فيها أو وظف لخدمتها؟ لن نخوض في صفة الجهة الداعية إلى الإضراب ولا في أحقيتها في ذلك، ولا في التعدد النقابي الذي أصبح واقعا ملموسا، لا ينكره إلا من يحاول حجب الشمس بالغربال. وإنما يهمنا من ذلك الملف المطلبي المتخذ مطية لمآرب يعلمها أصحاب الدعوة، والتوقيت والسياق اللذين دعي فيهما إلى هذه الحركة الجديدة. وسيكون معتمدنا في هذه المقالة ما صدر عن جمعية ن.و.ت.ع. من بيانات ومقالات وتصريحات القيمين عليها، حتى نقف على التوظيف غير النقابي لقضايا نقابية خدمة لأجندة لا علاقة لها بالنقابي بتاتا. أما الملف المطلبي فهو الملف نفسه الذي قيل إنه تم الحسم فيه شهرَ يونيو 2009، وصدر في شأنه بلاغ مشترك بين الوزارة الوصية وهذا الإطار الذي جمع مكتبه الوطني يوم 9/11/2009 وأصدر دورية (رقم 5) يطمئن فيها الأساتذة الباحثين بأن الوزارة الوصية جادة في تنفيذ ما اتفق عليه، وأرسلها مرفقة ببلاغ الوزارة التأكيدي للالتزام، وطالب بتوزيعه على أوسع نطاق "رفعا لكل التباس ودرءا لكل تشويش ونظرا لأهميته"؟! وقبل ذلك، عقد اجتماعه الدوري يومي 10 و20 أكتوبر 2009 أصدر عقبه بلاغا استحضر فيه "العناصر المكونة للملفات التي هي في طور الإنجاز والمتفق عليها... وتأكده من حصول تقدم ملموس في تنفيذ الوزارة لالتزاماتها.."فعلى من تناور ن.و.ت.ع.؟ ومتى كانت النقابة تقوم بدور الناطق الرسمي باسم الوزارة الوصية أو الحكومة؟ ولعبت دورا ما في الدعاية لمشروع مرسوم مشبوه وزع على نطاق واسع في النصف الأول من سنة 2010. وكان قمة البهتان تصريح كاتبها العام لجريدة الاتحاد الاشتراكي (عددي 16 و17+18/07/2010) من أن "الطي النهائي للملف هو في طور الإنجاز"، و"التذكير بجو التفاهم والالتزام من طرف الوزارة على حل ما طرحناه من مشاكل". بل أكثر من ذلك، لقد صرح بأنهم، هو وخاصة حوارييه والوزارة، عاكفون على إعداد مشروع تعديل للمادة 34 من مرسوم فبراير 1997. وكان، هذه المرةَ صادقا؛ غير أن التعديل المشار إليه لم يضف شيئا جديدا ولم ينصف مظلوما من الأساتذة الباحثين، بل زاد في اتساع الخرق و شرعن للوزارة الوصية خرقا جديدا يضاف إلى الخروق السابقة، كانت جمعيته مشاركة في إثمها منذ التفاهم "التاريخي" بينهما قبيل تشريعيات شتنبر 2007. فمن تلك الخروقات الدوس على المقتضيات التنظيمية للتأهيل الجامعي التي حددها مرسوم 1997. ومنها إعطاء الشهادة الواحدة أكثر من معادلة، في تحد سافر للقوانين الوطنية والدولية. ومنها تحقير مقرر قضائي نهائي صادر(سنة 1998) عن أعلى هيأة قضائية ببلادنا (الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى)، لم ير في معادلة الدكتوراه الفرنسية بالدكتوراه المغربية (الجديدة) خرقا للتشريعات الجاري بها العمل ولا شططا في استعمال السلطة. ومنها الإمعان في تبخيس قيمة الشهادة الوطنية بجعلها أقل مرتبة من الشهادة الأجنبية لا ترقى إلى مستواها إلا بإضافة أقدمية لا تقل عن 6 سنوات. وماذا عن الذين قضوا أقل من 6 سنوات قبل دخول مقتضيات مرسوم 1997 حيز التطبيق؟ فبهذه الخروقات تكون جمعية ن.و.ت.ع. جسدت بالملموس شعار النقابة التشاركية "المتواطئة". ويطلع علينا، بعد كل هذه الدوريات والبيانات التأكيدية والمطمئنة، بيان اللجنة الإدارية لجمعية ن.و.ت.ع. المؤرخ ب 26/12/2010 (أي 5 أشهر بعد التصريح الصحافي المذكر بجو التفاهم و.. ومشاركة الوزارة في "إثم" صياغة مشروع مرسوم...) يشجب " الصمت المريب للوزارة الوصية وعدم وفائها بأجرأة الالتزامات المتفق عليها". فماذا نصدق؟ التصريح أم البيان؟ ومن نصدق؟ درويش الصيف أم درويش الشتاء؟ وهل بهذا الأسلوب تورد الإبل وتساس أمور الجامعة ونخبة الوطن؟ ولماذا تمت برمجة الإضراب في هذه الفترة بالذات؟ لقد عرف الدخول الجامعي الحالي تسمية رؤساء 8 جامعات. وهي التسمية التي انكشف الغطاء عنها، بعدما كانت بعض الأطراف التي تهيمن على ن.و.ت.ع. تمني النفس بالحصول على الحظ الوافر منها، أو الاستمرار في تسيير ما كانت تسيره. وهو الأمر الذي لم يحصل. فكان لا بد من ردة فعل على "گردعتها"؛ وإلا ما معنى الإعلان عن الإضراب يومي 15 و16 دجنبر 2010؟! أي شهرا بعد ظهور اللائحة الكاملة لرؤساء الجامعات الثماني. ثم ما معنى الاتصال بالفرق البرلمانية للتحسيس بالملف، والحزب المهيمن على المكتب الوطني لذات الجمعية مكوِّن أساس في الحكومة لما يفوق العقد من الزمان، وله أكثر من فريق في البرلمان؟ وما معنى تدشين هذا الاتصال بفريق حزب يكاد عمره لا يتجاوز عمر المكتب الوطني الحالي لجمعية ن.و.ت.ع.، كانوا يعدونه بالأمس القريب "وافدا جديدا" جاء ليفسد اللعبة السياسية؟ فهل الواقعية السياسية هي التي فرضت هذا الاختيار؟ أم أن التمكين لهذا "الوافد الجديد" والتنسيق المرسوم للحزبين، العتيد والوافد، في أفق تشريعيات 2012 هو العامل الحاسم في هذا التوجه؟ وهو التساؤل المشروع حول خدمة التحرك النقابي أجندة سياسية مفضوحة. والجواب عنه هو الذي يفسر مراوحة الملفات المطلبية مكانها. فلا تحرك لذاتها وإنما لخدمة غيرها. لقد صرح الكاتب الوطني لجمعية ن.و.ت.ع. لجريدة الصباح (26/03/2010) أن ن.و.ت.ع. "لا ترغب في ممارسة الإضراب...لأن مكوناتها تعي جيدا الانعكاسات السلبية التي تحصل من جراء خوضه". وزاد بأنهم "مضطرون ومكرهون على خوضه". فهل هذا هو سر اختياره أيام 18 و19 و20 يناير 2011 موعدا للإضراب المقبل؛ وما جدوى الإضراب إن لم يصادف أيام العمل، وكانت جل الجامعات قد انتهت من الدورة الخريفية أو شارفت على الانتهاء منها؟ وما جدوى التلويح بمقاطعة الدورة الربيعية، وعدم المساس بما بقي من الدورة الخريفية؟ إنها بعض الأسئلة التي أثارها قرار الإضراب الأخير والسياق الذي ورد فيه. وهو سياق يكشف بالواضح أن هذه الحركة لم تأت إلا لخدمة أجندة، نكاد نجزم ألا علاقة لها بالملف المطلبي. وإن غدا لناظره قريب.