للمسائية العربية فلسطين إبراهيم أبراش يبدو أن الرئيس الفلسطيني كان أكثر الزعماء العرب شجاعة وواقعية ووضوحا في القمة العربية ،ففي الوقت الذي خرجت فيه القمة العربية بما كان يتوقعه الجمهور العربي:قليل من المال للقدس وكثير من الشعارات والتهديدات الجوفاء بالتخلي عن المبادرة العربية للسلام ، وبالرغم من جو التهريج السياسي الذي ساد القمة حيث هرب القادة من الحقيقة والواقع وزايدوا على الشعوب بل بدوا وكأنهم مجرد أفراد من الشعب يتناقشون على ناصية شارع أو يسيرون بمظاهرة ويرددون الهتافات حول المقاومة ونصرة القدس الخ، تميز الرئيس الفلسطيني أبو مازن بموقف واضح يقول بأن السلام خيار استراتيجي للشعب الفلسطيني. قال أبو مازن ذلك قبل وأثناء وبعد القمة بالرغم وبالرغم من حرج المرحلة حيث يتزايد الاستيطان وتتهرب إسرائيل من التزاماتها تجاه عملية السلام.هذا الموقف من الرئيس الفلسطيني والذي استغربه البعض واعتبره آخرون تخاذلا ومسايرة للإرادة الامريكية والدولية إنما يعكس الفريق بين موقفين :موقف زعماء وقادة نفضوا يدهم من القضية الفلسطينية منذ أن أسسوا منظمة التحرير بداية ثم عندما اعترفوا بها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني ولم يعودوا مُلزَمين بشيء تجاه فلسطين ،ولكنهم تحت ضغط وإحراج الجماهير مضطرون لإخفاء عجزهم وتواطؤهم بالهروب نحو الشعارات التي تتحدث عن خيار المقاومة والتهديد بسحب المبادرة العربية للسلام التي ولدت اصلا ميتة،أو يتخذون قرارات هزيلة كما جرى حيث أختزلوا فلسطينبالقدس والقدس بالاقصى واختزلوا الجميع بخمسمائة مليون دولار ،هذا هو ثمن فلسطين وهذا هو الواجب القومي للأمة العربية.أما الموقف الثاني فهو موقف الرئيس أبو مازن الذي ينطلق من واقع المسؤولية عن شعب وقضية وأنه ليس مجرد متفرج على ما يجري ،وهذا الموقع الذي يحتله يجعله والشعب في حالة اشتباك يومي مع إسرائيل وممارساتها ويشعر بان كل يوم يمر على القضية الوطنية إلا وتدفع القضية والشعب ثمنا باهضا من إستيطان وتهويد وتدمير للشعب والارض والقضية ،وبالتالي مطلوب منه كرئيس للشعب أن يحدد مواقف عملية ويجيب على تساؤولات المرحلة وهي مرحلة لا يكفي فيها ترديد شعارات حول المقاومة والممانعة أو التهديد بالتراجع عن خيار السلام . نعم من حق الجماهير العربية أن تطالب بالمواجهة والمقاومة ومن حقها ترديد ما تشاء من الشعارات ومن حقها رفض نهج التسوية المتعثر ،ولكن لا يجوز أن يردد القادة والزعماء ما تردده الجماهير من شعارات،المطلوب من القادة التجاوب مع تطلعات الجماهير بطريقة عملية من خلال اتخاذ مواقف وسياسات قوية وحازمة تجاه العدو المشترك المتمثل بالتحالف الأمريكي الإسرائيلي،من يريد أن يكون في مستوى تطلعات الجماهير لا ينزل لمستوى الجماهير الشعبية العاجزة والمغلوبة على أمرها بل عليه أن يُحوِل مطالب الجماهير لقرارات وسياسات وانجازات تجعل المطالب وقائع وإلا فما هو فمفهوم القيادة والزعامة؟المطلوب من القاعدة العرب بدلا من الهروب نحو حديث مبهم عن خيار المقاومة أن يفتحوا الحدود للمقاومين والمجاهدين العرب والمسلمين، وعليهم بدلا من حث الفلسطينيين على المقاومة المسلحة ضد إسرائيل أن يعطوهم القدوة الحسنة بقدرة المقاومة المسلحة على التحرير، بأن يمارسوا المقاومة لتحرير أراضيهم المحتلة منذ 1967 ،وبدلا من أن يعيبوا على الرئيس أبو مازن تمسكه بنهج السلام عليهم تمكينه والشعب الفلسطيني من مقومات لمقاومة قادرة على تحقيق أهدافها من خلال خطوات عليهم إتخاذها وأن يظهروا من الوقائع ما يؤكد بأنهم في حالة حرب مع إسرائيل وحليفتها واشنطن أو أنهم مستعدون لحالة الحرب،ونحن هنا لن نطلب بإرسال الجيوش لمحاربة إسرائيل أو استعمال سلاح النفط أو قطع العلاقات مع واشنطن الخ ،لأننا سنبدو في نظر البعض ساذجين ومتطرفين وغير واقعيين!،بل نطالب بخطوات نراها قابلة للتحقيق كسحب السفراء العرب من إسرائيل أو طرد سفراء وممثلي إسرائيل من العواصم العربية ووقف العلاقات الودية مع قادة صهاينة يتجولون في البلدان العربية ويشاركون في مؤتمرات إقليمية ودولية،ولِما لا تستنهض أنظمة عربية روح المقاومة بإغلاق القواعد الامريكية المتواجدة على أراضيها والتي في حالة أية مواجهة مسلحة في فلسطين ستكون منطلق تحرك الجيوش الامريكية لدعم الكياني الصهيوني،إن كانت هذه أيضا تبدو مطالب متطرفة وغير واقعية ،فلنكتفي بمطالب أقل إحراجا، كأن تتوقف الفضائيات العربية عن إستضافة قادة صهاينة يبثون السموم والأكاذيب عبر شاشاتها ،أو تتوقف الأنظمة العربية عن بث الفتنة وتعزيز الانقسام في الساحة الفلسطينية ،أو أن ترفع الحصار عن غزة. إن كانت الأنظمة العربية عاجزة او غير راغبة بالقيام بأي من هذه الإجراءات التي يمكن ان تشكل بديلا لخيار التسوية السلمية ،وإن كانت غير مستعدة لأن تكون جزءا من حرب أو حالة مقاومة حقيقية ،حتى المبادرة العربية التي هددوا بسحبها لم يجرؤوا على سحبها حتى لا يغضبوا واشنطن أو يضطروا للبحث عن بدائل بسقف أعلى ؟ فما هو المطلوب من الفلسطينيين في ظل هذا الواقع العربي ؟وهل يستطيع الفلسطينيون وحدهم خوض حرب ضد الكيان الصهيوني يجبرونه من خلالها على الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967 وإعادة اللاجئين ؟ وهل مجاراتهم لأصحاب شعارات المقاومة والممانعة سيوقف الاستيطان وتهويد القدس ويرفع الحصار عن غزة ويوقف التدمير الذي تتعرض له بنية المجتمع الفلسطيني سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا؟.للأسف كانت مواقف القادة العرب الأكثر حديثا عن المقاومة والممانعة هي المواقف الأقل واقعية ومصداقية،ليس لأننا نرفض خيار المقاومة والممانعة بل لأننا نرفض أن تتحول فلسطين لمجرد قضية توظف لخدمة أجندة خاصة بهذا النظام السياسي أو ذاك ،ولأن خياري السلام والمقاومة في فلسطين ليسا مجرد شعارات ترفعها الحكومات متى تريد وتتخلى عنها متى تريد حسب مصالحها الخاصة بل هي أمور تمس مصير ووجود وحياة الشعب الفلسطيني ولا يجوز التعامل معها بهذه الارتجالية. ضمن هذا السياق يمكن التعامل مع قول الرئيس أبو مازن بان السلام خيار استراتيجي فهو بذلك يريد ان يقول بان هناك شعب خاضع للاحتلال وهذا الشعب يريد السلام وان إسرائيل هي المسؤولة عن تعثر عملية السلام وبالتالي يرد على المزاعم الصهيونية بأنه لا يوجد شريك للسلام ،أيضا الرئيس أبو مازن يعرف جيدا الواقع العربي وحقيقة الأنظمة وبالتالي يرفض أن تعود القضية الفلسطينية ورقة توظفها الانظمة العربية والإقليمية ،والرئيس يعرف إمكانيات الشعب الفلسطيني وخطورة الأنزلاق نحو العمل العسكري بدون مشروع سلام في ظل ظروف فلسطينية وإقليمية ودولية غير مواتية. وهنا علينا ان نلاحظ بأن الرئيس لم يقل بأن المفاوضات خيار استراتيجي بل السلام وهناك فرق بين الأثنين،فهو أوقف المفاوضات عندما شعر أنها لا تخدم عملية السلام العادل.ومع ذلك يؤخذ على الرئيس أبو مازن فصله ما بين السلام والمقاومة ،حيث يركز على السلام كخيار استراتيجي دون توضيح بأن المقاومة بكل اشكالها جزء من المشروع الفلسطيني للسلام فخيار السلام لا يسقط حق المقاومة فهذا الحق سابق لكل الاتفاقات والمواثيق لأنه حق طبيعي ،وعليه فالمقاومة تندرج ضمن خيار السلام لأنه لا يمكن فرض السلام على إسرائيل بدون استنهاض كل مكامن القوة عند الفلسطينيين ،ولا نقصد هنا المقاومة المسلحة فقط بل كل أشكال المقاومة بما فيها السلمية .لا تناقض بين السلام والمقاومة لأن المقاومة ليست عملا مسلحا فقط وحتى على هذا المستوى ليست قتالا من أجل القتال بل نضال مشروع من اجل الحرية والاستقلال وبالتالي من أجل تحقيق السلام في المنطقة .إذا كان السلام خيار استراتيجي فإن المقاومة حق طبيعي للشعوب لا يستطيع الرئيس أبو مازن أو غيره تجاوزه ،ولكن يجب وجود استراتيجية عمل وطني توفق بين الحقين وهما اصلا متلازمين وغير متناقضين ،يجب التوفيق بينهما بحيث لا يؤدي خيار السلام المجرد من قوة الشعب إلى التماهي مع المخططات الصهيونية ،ولا تؤدي المقاومة المجردة من الرؤية السياسية العقلانية وخصوصا إن اقتصرت على العمل المسلح، إلى دفع الشعب للمربع الذي تريده إسرائيل وتتفوق فيه . حتى لا يتحول السلام كخيار استراتيجي لمجرد شعار يجب أن يؤَسَس على ممارسة وطنية وحدوية عقلانية تستنهض روح المقاومة والممانعة عند الشعب .مواطن الضعف في رؤية الرئيس أبو مازن للسلام افتقارها للتوافق الوطني حول هذه الرؤية و افتقارها للأدوات المناسبة :رجال ومؤسسات في مستوى رؤيته الاستراتيجية العقلانية ،وللأسف فإن هذه الأدوات تتحمل المسؤولية ،بالإضافة إلى إسرائيل، عن عدم وجود صدى إيجابي لرؤية الرئيس للسلام ،فالناس لا يتعمقون ولا يفكرون كثيرا بالرؤى الاستراتيجية بقدر ما يتأثرون بالممارسات على الأرض . وإن كنا أخذنا على أنظمة وحركات عربية تحويل المقاومة والممانعة لمجرد شعارات منقطعة الصلة بممارساتها على االارض ،فإننا نرجو أن لا تتموقع رؤية الرئيس أبو مازن للسلام كمجرد رؤية مفكر أو مثقف أو لمجرد شعار منقطع الصلة بما يجري على الأرض، بل نريدها رؤية رجل الدولة القادر والمحنك الذي يمكنه خوض معركة إعادة بناء المشروع الوطني واستقطاب كل قوى المقاومة والممانعة الفلسطينية ضمن هذا المشروع ،بنفس الاقتدار الذي يخوض به معركة السلام مع العدو. السلام كخيار استراتيجي لن ينجح بدون المقاومة كحق طبيعي ،والمقاومة كحق طبيعي لن تنجح بدون السلام كرؤية وخيار استراتيجي. Ibrahem_ibrach_(at)_hotmail.com الموقع الشخصي: