بكلية الآداب جامعة القاهرة (2223/3/2010) تحية الحياة،، 1.بداية، أتوجه بالشكر الجزيل للجمعية الفلسفية المصرية، التى أتاحت لي، ولغيري، الاطلاع على برنامج المؤتمر الدولي الثاني لقسم الفلسفة بجامعة القاهرة، فللجمعية الشكر كل الشكر، على نشاطها الدائم والمُثير للاعجاب. 2. اطلعت بشغف على برنامج المؤتمر المُزمع عقده، ووجدتني أسطر هذه الملاحظات السريعة، فموضوع المؤتمر "الفلسفة وحقوق الانسان" له ارتباط وثيق بفكرنا الأنسني، الذى أتمنى أن يجد له ملاذاً آمناً في ربوعنا الحائرة! 3. "إن معرفتنا بالحرية معناها أننا نشعر بازدواج وضعنا في الكون. فنحن مخلوقون وخالقون. وحياتنا ما هي إلا التدريب على فن الابتكار!"، مقولة رائعة ومُلهمة، قرأتها مؤخراً للفيلسوف هوكنج، لشد ما ترتبط بحديثنا.. 4. إن أول ما يلفت انتباه المتصفح لبرنامج المؤتمر هو خلوه من الابتكار، وانزلاقه إلى عبودية التكرار التقليدي، في تعاطيه مع قضية مصيرية ك"الفلسفة وحقوق الانسان"! يعلم الله أني لا أقول هذا لتسفيه الجهد المبذول، فأنا أُقر به، ودليل ذلك سعيي الراهن لتثمينه، عبر نقده وتطويره. 5. ولسوف أبدأ بتثمين الفكرة المحورية للمؤتمر، والتى على أساسها بُنيت محاوره المختلفة، ووُزعت جلساته، أعني علاقة الفلسفة بحقوق الانسان! 6. واضعو البرنامج ومقدمو الأوراق، كما تشي عناوين جلسات المؤتمر والأوراق البحثية(والتى يُفترض أنها تُعبر عن المضمون بدقة)، يتعاطون مع "حقوق الانسان" على أنها فلسفة، وهنا يكمن الخطر، لأسباب أهمها: • أن التعاطي مع "حقوق الانسان" على أنها فلسفة يُعرض "حقوق الانسان" على الصعيد النظري، كما على الصعيد العملي لخطر المُناهضة والتحريم، أسوة بما يحدث مع الفلسفة في مجتمعاتنا العربية المتخلفة! ولننظر حولنا لنتبين واقعنا الكارثي.. • فالفلسفة بوصفها أحد أهم وأبرز الطرق المتاحة أمام الانسان لنُشدان الحقيقة، إلى جانب الدين بالطبع، تتعرض لخطر المُناهضة والتحريم! ومن ثم، فالقول ب"حقوق الانسان" كفلسفة، يُضعف مكانة "حقوق الانسان" في مجملها، ويجعلها محفوفة بالتحريم، كما أسلفت! • أما القول بالتفلسف أعنى النضال من أجل الحقيقة كأحد أهم وأبرز "حقوق الانسان"، فهو على ما يبدو أقرب للحكمة، وأحصن ل"حقوق الانسان"، إذ يُمكن للفلسفة ويقويها، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى يحمي "حقوق الانسان"، من خطر المناهضة والتحريم! • والأهم من ذلك كله أنه يحفظ للفلسفة كيانها ووجودها، فالفيلسوف في المجتمع دليل على رفعة الفكر وسمو مرتبته، فهو يشير إلى كل ما هو خالد في الإنسان، ويثير تعطشنا إلى المعرفة المحض، المعرفة التي لا تهدف إلى مصلحة، ولا تُغازل أو تُهادن الواقع.. 7. أمر آخر أود التنبيه إليه، وهو الخلط المُربك (راجع عناوين أوراق جلسة حقوق الانسان في الفكر الاسلامي)، بين الاصل الديني للاسلام وبين الاسلام كحضارة! جامعة القاهرة العتيقة على ما يبدو أضحت بلا أسوار! فما يردده ال(..) خارجها، لا يلبث صداه أن يُرجع في قاعاتها المهيبة! 8. من الخطورة بمكان أن يُعامل الاسلام(كحضارة كاملة) مُعاملة الأصل الديني! لأنه إن اعتُرف للأصل الديني، وأنا أفعل بالطبع، بالحُرمة والقداسة، فلا يجوز ولا ينبغي للإسلام(كحضارة كاملة)، أن يحظى بالامتياز نفسه! حقوق الانسان بلا شك جزء أصيل من الاسلام كحضارة! 9. ولك قارئي أن تتأكد من قولي هذا، عبر مقارنة عناوين الجلسة المذكورة تواً، بالجلسة التالية لها وعنوانها حقوق الانسان في الفكر الغربي! شيء مؤرق أن يتشح التعاطي الفلسفي(!!) العربي مع "حقوق الانسان" بالفقهية. 10. صحيح أن الاسلام كحضارة كاملة نشأ وتطور في كنف الأصل الديني للاسلام، بيد أنه لا يصح أن تنسحب القداسة التى نعترف بها للأصل الديني على أمور هي من صميم الإسلام كحضارة كاملة، أعني حقوق الانسان والتاريخ والسياسة والقانون والأخلاق والفن..إلخ! أمور حياتية كهذه لا يصح أن تُشفر ضد النقد والتطوير! فحياة الإنسان في حراك دائم، ومن يحلم بتأبيد اللحظة يُراود المستحيل، ويُورث نفسه وأبناء حضارته الهوان! 11. الجلسة الأخيرة في المؤتمر، وعنوانها "تطبيقات حقوق الانسان"، تشهد تطبيق حقوق الانسان في مجالات متعددة كالفن، والاعدام، والجسد، بل والطاقة النووية! المجال الوحيد الذى لم يشمله أى تطبيق هو حق الانسان في التفلسف، أي حقه في النضال من أجل الحقيقة! لماذا المؤتمر إذن؟! 12. إلاما مُصادرة حق الانسان العربي في التفلسف؟! إلاما تعمية هذا الانسان الكسير عن حقه في نُشدان الحقيقة؟! نحن الآن في مطلع الألفية الثالثة؟! 13. في الختام، أعتذر للاطالة، وأكرر شكري وامتناني للجمعية الفلسفية المصرية ورئيسها العالم الجليل أ.د. حسن حنفي، على اتاحة هذه الفرصة الطيبة لي لتثمين الجهد المبذول في الاعداد لهذا المؤتمر، الذى أتمنى له كل التوفيق، فنحن في حاجة ماسة لمثل هذه المؤتمرات، على أمل تحطيم أغلال الاغتراب الثقافي لأبناء أمتنا الكسيرة، والتمكين للحرية في العقول والقلوب! كما أتمنى لضيوف المؤتمر الكرام إقامة طيبة في بلادنا الحبيبة. دُمتم بألف خير