اجتمع الصغار، حول مائدة مستديرة، في حوار شفاف، بريء. كل واحد منهم حلم بالعيش في جو أسري، يسوده الاطمئنان، وعشق تصحيح الحياة. فمن خلال نقاشاتهم كشفوا لنا عن الندوب والجروح التي رسمتها ظروف أسرهم المزرية ،ومن خلال تطلعاتهم لمسنا كم تهوى هذه الصغار رؤية الحياة مشرقة وآمنة، وفي لقاء بين أناملهم والأوراق رسموا لنا صورا موجعة، برهان على رفضهم للأسلوب المتبع داخل بيوتهم الذابلة الضيقة، فمزجوا بين الألوان الداكنة بأسلوب مضطرب، ملفت للانتباه. حتى ضاقت مساحة الورق،فلم تعد تتسع ،لتستوعب حجم الهموم المتدفقة من قلوب صادقة . بصيغ مختلفة، و في صوت موحد، جماعي، عبروا عن نفس الإحساس الرافض لكل مظاهر العنف، الذي يجترون آثاره بدون أن يكون لهم أي ذنب، حتى بات يفكر الصغير منهم قبل الكبير بالانتحار أو الانتقام. . ردود هزت مشاعر السامعين.فتساءل العديد منا، كيف لطفل أن يفكر في هذين الحلين؟.لحظة تطلبت منا الإنصات، والتأمل في هذا الكائن الذي طالما وصفناه بقاصر، ونصبنا أنفسنا أولياء لأموره، ذاك الشخص الذي شعرنا في مناسبات عدة أنه صغير، لا يدرك ما يجري حوله ،وتجاهلنا وجوده ،وشعرنا بالشفقة عليه ،فإذا بحديثه يكتنف من الأهمية ما يستدعي التوقف، لنمنحه مساحة واسعة من حرية التعبير، وحرية التحليل ،فنقسم انه أصبح على ذلك قادر.هوالذي بات يمتلك قوة الملاحظة،ويربط الصلة بين كل ما يحدث، هذا الصغير الذي كشف عن تناقضاتنا وعجزنا عن ضبط الانفعال.ووصفنا بالكبار الضعاف.قال عنا" أننا نعيش الغربة مع أنفسنا، بصدور مليئة بالغضب والحيرة، نتخبط في زمن كثرت فيه الانشغالات، والتعامل معهم بالاستخفاف و الجفاء.... " " نشعر اليوم، أنهم أطفالا مختلفون ضائعون بيننا وبين همومنا ،يحلمون بالهدوء،بالصدق ،بالود،بالحب وبالاحترام،وعيون يتدفق منها ألف سؤال،وملامح هجرتها البسمة وفارقها الانشراح ،أجسام فقدت قدرتها على الإحساس بحلاوة الطفولة ،وباتت تتقاسم الكبار همومهم، وتشاركهم القلق والمرارة ،و تتحمل أحيانا مسؤولية نفقات الأسرة ،وتتعب وراء لقمة العيش بقلب يملؤه الشعور بالواجب ،هم كبار في داخلهم ،ناضجون في نقاشاتهم ،لديهم مخزون هائل من الصبر والانتظار،هم شمعات المستقبل التي يفترض أن نحفظ بريقها وضيائها لتنير الدرب من بعدنا. هذه الصورة، التي عرضناها مختصرة، عن أطفالنا، ألوانا وأحاسيس، عبر عنها الأطفال بكلمات جميلة سهلة، تنحت المعاني نحتا، قال بالكلمة والصورة: "أنا طفل لا أحمل بين أضلعي جلمود صخر بارد، بل أحمل في صدري قلبا ينبض بالشعور والأحاسيس."، ثم علا نداء من بين الذين حضروا معنا تلك الجلسة، إذ رددوا في صوت مسموع واحد: "لا تقحمونا في عالم ننسى فيه أننا مازلنا أطفالا...رجاء...،رجاء...، أيها الكبار، رجاء." على هامش الورشة التي نظمتها جمعية"الصرخة"لفائدة التلاميذ (من 11 إلى 15 سنة) حول مسألة "العنف الأسري" بمؤسسة ابن سعيد المغربي بطنجة.