في ذكرى اقتراب نصف قرن على رحيل الشهيد المهدي بن بركة لن نسمح بتكرار الماساة ابدا لم يكن الفقيد عبد السلام المؤذن يعرف بالضبط ، في بداية انخراطه في النضال السياسي ، لماذا كان ، كلما فكر في المهدي بن بركة ، الا وخطر بباله في نفس الوقت ، اسمان اخران هما : اليتش لينين ، وروزا لكسمبورك. ثمة قوة مجهولة ، كانت تشده دوما ، للربط بين اسماء هذا الثلاثي : المهدي ، اليتش ، روزا ! صحيح انه ، يقول الفقيد ، كنت ، منذ البداية ، اعي الكثير من اوجه التشابه ، التي كانت تجمع بين اقطاب ذلك الثلاثي: التوحد في النضال لدرجة التصوف .. التمسك بالمبادئ لدرجة الاستشهاد .. فكر مدفوع الى اقصى درجات التوتر .. ثم .. قوة الشخصية التي لاتتردد ، في احداث القطيعة ، مع اكبر سلطة فكرية معنوية في الدرب النضالي المشترك ، عندما تحصل القناعة بضرورة ذلك : قطيعة لينين مع بليخانوف ، وقطيعة روزا مع كاوتسكي ، وقطيعة بن بركة مع علال الفاسي . كل هذا كنت اعرفه .. وكل هذه التشابهات السطحية كنت اعيها . لكن السؤال الاهم والاعمق ، الذي حيرالفقيد سنوات طوال وهو يقول: ارقتني شهورا مديدة ، هو التالي : لماذا كان مصير تلك الشخصيات التاريخية الفذة ، المتساوية في ذكاء الفكر وارادة التغيير الثوري ، مصيرا متناقضا تماما ؟ لماذا انتصر لينين ، ولماذا انهزم المهدي وروزا ؟... لماذا كانت نهاية حياة لينين الشخصية والسياسية ، نهاية سعيدة .. ولماذا كانت نهاية المهدي وروزا ، نهاية درامية وماساوية مرتبطة بالقتل الجسدي والاغتيال السياسي ؟ . للاجابة عن ذلك السؤال الكبير ، الذي هو في ان واحد ، سؤال فلسفي وسياسي ووجودي ، كان لابد لي ، من ان امر ، من فترات عصيبة ، من المعاناة الفكرية والعذاب النفسي . تلك المعاناة وذاك العذاب ، انتهيا بي في اخر المطاف الى احداث قطيعة جذرية ، مع كل البناء المنطقي ، الذي حملته في فكري ، طوال عشرين سنة من عمري السياسي .. -1- في اعتقاد الفقيد عبد السلام المؤذن ، يقول ، لايمكن للتحليل السياسي ان يكون علميا ، الا اذا تبع من ، وتاسس على، موقع طبقي تاريخي محدد ، فالمثقف الثوري ، الفوق طبقات ، والذي يريد القيام بالثورة من اجل كل الطبقات الثورية ، وليس من اجل طبقة ثورية واحدة ، ينتمي اليها اجتماعيا ... هذا المثقف المجرد ، ان وجد ، فهو لايوجد الا في الذهن التجريدي . فلان الطبقة هي عبارة عن مجموعة كبرى من الافراد ،، بالتالي لايمكن تصور ووجود فرد ما ، خارج طبقة ما . لذلك فالمسالة الحقيقية ، ليست في ، ما اذا كان هذا الفرد او ذاك ، يوجد او لايوجد داخل اطار طبقي ، ( فهذه قضية محسومة ) ، بل في أية طبقة محددة ، ينتمي اليها هذا الفرد المحدد ؟ . ان المثقف الثوري ينتمي موضوعيا ، وبالضرورة ( شانه في ذلك شان أي فرد اخر في المجتمع ) ، الى طبقة محددة ، يعبر عن امالها وتطلعاتها ، ويمثل ، على صعيد الوعي والفعل ، طليعتها السياسية الصدامية . ان الخاصية الجوهرية لكل المثقفين الثوريين ، المنتمين للطبقة الوسطى الثورية ، تكمن في الاعتقاد الواهم ، بانهم يمثلون كل الطبقات الثورية بصفة عامة ، والحال انهم لايمثلون في الواقع ، سوى الطبقة الوسطى وحدها . وهذا الوهم الطبقي ، لدى المثقف الثوري للطبقة الوسطى له مايبرره موضوعيا فالطبقة الوسطى ( زراعية كانت ام صناعية ) بما هي طبقة عمال يملكون في نفس الوقت ، وسائل انتاجهم الخاصة ( وهذا على عكس المؤسسات الراسمالية المفصولين عن وسائل الانتاج ) اقول ذلك الوضع المتناقض لواقع الطبقة الوسطى ، هو الذي يخلق موضوعيا لدى مثقفيها الثوري وعيا زائفا ، يجعله يتوهم ، بانه يمثل في نفس الوقت الطبقة الوسطى والطبقة العاملة ... بمعنى ان ذلك المثقف يخلط ، مابين الحالة التي تكون فيها ، العلاقة بين العمل والراسمال ، علاقة وحدة وتوحد ( حالة الطبقة الوسطى) ، وبين الحالة التي تكون فيها تلك العلاقة ، علاقة انفصال واستقلال ( طبقة مستقلة عن الطبقة الوسطى . لم يكن الفقيد عبد السلام المؤذن يعرف بالضبط ، في بداية انخراطه في النضال السياسي ، لماذا كان ، كلما فكر في المهدي بن بركة ، الا وخطر بباله في نفس الوقت ، اسمان اخران هما : اليتش لينين ، وروزا لكسمبورك. ثمة قوة مجهولة ، كانت تشده دوما ، للربط بين اسماء هذا الثلاثي : المهدي ، اليتش ، روزا ! -2- عشية اندلاع الثورة الروسية سنة 1917 ، كانت عناك ، في المجتمع الروسي ، طبقتان ثوريتنان ، الطبقة الوسطى الزراعية ، والطبقة العاملة . لن نسمح بتكرار الماساة ابدا ..2/3وكان لينين سواء من حيث الموقف الايديولوجي او الموقف السياسي او الموقف التنظيمي ، ينتمي لطبقة ثورية واحدة ، لالغيرها ، هي الطبقة العاملة . في العمق ، كان جوهر الصراع الطبقي ، في تلك الفترة ، هو مابين البروليتارية والبورجوازية . وكانت الطبقة الوسطى الزراعية ، تحتل موقع اوسط بين قطبي ذلك الصراع ، مما اهلها لان تلعب دور الفصل والتقرير في مصيره ، وبحسب القطب الذي اختارت الانحياز له . ولقد انحازت تاريخيا للقطب البروليتاري ( لاسباب لامجال لذكرها هنا ) ، الذي يمثله ويعبر عنه لينين . من هنا يمكن القول ، بان لينين كان محظوظا ، لان الطبقة الوسطى الزراعية ، فضلت الانحياز لقطبه. لقد كان بالامكان ، لتلك الطبقة ، ان تنحاز للقطب المضاد : القطب الراسمالي ، وفي هذه الحالة ، كان لينين سيكون سيء الحظ ، وربما كان مصيره الشخصي نفسه ، سينتهي بنهاية كارثية ماساوية ، مثل تلك التي حلت بالمهدي بن بركة وروزا لكسمبورغ . -3- في عهد روزا لوكسمبورك ، كان الوضع الطبقي الاوربي ، يتشكل على النحو التالي : قطب راسمالي داخلي ، يقوم على استغلال قطب عمالي داخلي ، وقطب راسمالي كولونيالي خارجي ، يقوم على اسنغلال القطب العمالي الخارجي للمستعمرات . وبين القطبين ، الراسمالي والعمالي ، كانت توجد طبقة عمالية وسطى ، قامت كبديل لائحلال الطبقة الوسطى الزراعية . في تلك التشكيلة الطبقية ، كان جوهر الصراع الطبقي هو مابين القطب الراسمالي الداخلي والقطب البروليتاري الداخلي .. أي ان هذا الصراع الطبقي البروليتاري – الراسمالي ، كان شبيها بالصراع القائم في عهد لينين في روسيا ، لكن مع هذا الفرق الجوهري الحاسم : هو ان الصراع بين البروليتاريا والبورجوازية ، كان في اوربا ، يلطفه ويخف من حدته ، وضع الطبقة الوسطى العمالية ، التي تلعب دور الفضاء العازل ، الذي يحول دون الاصطدام العنيف بين القطبين المتناحرين البروليتاري والراسمالي ... في حين لم تكن في روسيا ، طبقة وسطى عمالية عازلة ، مما جعل الصراع بين القطبين الراسمالي والبروليتاري ، يكون صراعا سافرا حادا ومتفجرا . واذا كان غياب طبقى وسطى عمالية ، قد سمح للينين بالاطاحة بالراسمالية .. فبالعكس ، ادى وجود تلك الطبقة في اوربا الى افشال المشروع الثوري على الطراز اللينيني الذي قادته وتزعمته روزا لكسمبورغ . ان كل ماساة روزا ، تكمن في التالي : ففي حين كانت البروليتاريا الثورية الروسية تستند الى حليف ثوري حازم تجسد في الطبقة الزراعية ، كانت البروليتارية الثورية الاوربية ، بالمقابل ، مشلولة بطبقة وسطى عمالية اصلاحية ، لايهمها سوى البحث عن حل وسط توفيقي بين طبقة العمال وطبقة الراسماليين .. -4- في المغرب ،، كان الوضع الطبقي ، غداة الاستقلال على النحو التالي : من جهة اولى ، كانت هناك طبقة وسطى زراعية ناشئة ، ( كنتيجة لافرازات الصراع الطبقي بين الاقطاع والفلاحين الخماسين ) . ومن جهة ثانية ، كان هناك النظام القبلي الجماعي المغلق على ذاته ، الموجود في حالة ما قبل الانحلال . ومن جهة ثالثة ، كان هناك الراسمال الزراعي المغربي الكبير ( كنتيجة لافرازات الصراع الطبقي – الوطني بين الراسمال الكولونيالي الاحتكاري والعمل المغربي ) .. ومن جهة رابعة ، كانت هناك طبقة عمالية وسطى ناشئة ( كنتيجة ايضا لنفس الافرازات الاخيرة ) . اما تشكيلة الصراع الطبقي ، في الفترة التاريخية الحاسمة ، فقد كانت على النحو التالي : في اليسار قطب الراسمال الصغير الناشئء ( الزراعي اساسا ) .. وفي اليمين قطب الراسمال الكبير المغربي ( الزراعي اساسا).. وفي الوسط قطب الطبقة العاملة الوسطى الناشئة ... وخارج العلاقات الراسمالية ، يوجد النظام القبلي الجماعي المغلق . واذن كان جوهر الصراع الطبقي الطاحن ، يدور وقتئذ ، بين طبقة الراسمال الصغير الصاعد ( التي يعبر عنها بن بركة ) ، والتي تريد ان يتم التحول الراسمالي تحت قيادتها .. وبين طبقة الراسمال المغربي الكبير الصاعد ، التي تريد بدورها ان تقود صيرورة التطور الراسمالي في المغرب . ان طبيعة ذلك الصراع الطبقي ، كانت طبيعة تناحرية اقصائية .. اذ لاامل في فوز احد المشروعين المتعارضين ، الا بتدمير الطبقة الخصم . هذا الصراع الطبقي المصيري ، كان يميل موضوعيا لصالح الراسمال المغربي الكبير ، من جهة ، لان هذا الاخير ، كان يستند الى خلفية راسمالية قوية ( ارث ممتلكات الراسمال الكولونيالي ) ومن جهة ثانية ، لان الراسمال الصغير الناشئ ، لم يكن يستند لاي عمق استراتيجي ، باعتبار ان النظام القبلي كان نظاما مغلقا ، خارج دائرة العلاقات الراسمالية . فهذا الصراع الطبقي الغير متكافئ اصلا ، تم حسمه بشكل نهائي ، لما قررت الطبقة العمالية الوسطى ( الممثلة في نقابة الاتحاد المغربي للشغل ) . الانحياز الواضح لقطب الراسمال الكبير . فكانت هزيمة الطبقة الوسطى الثورية المغربية وكانت هزيمة زعيمها الثوري العملاق بن بركة ... -5- بعد تدمير الطبقة واغتيال الزعيم ، والمحاولات المتكررة لتدمير وتصفية حزب الزعيم .. كان كل هم مناضلي حزب الزعيم ، هو النضال المستميت لوقف خطر الانقراض المرعب . اية بطولة تلك ، ابان عنها رفاق الزعيم واحضاء حزبه ، للحفاظ على الاستمرارية . ويالعظمة يقول الفقيد عبد السلام المؤذن الصمود الفوق الانساني الذي قدمه المناضلون الاتحاديون ، والذي لولاه لماكان شخصيا ، يتمتع بامتياز ممارسة السياسة والنضال . شخصيا يقول عبد السلام المؤذن ، لم يكن في يوم من الايام عضوا في الاتحاد .. الا انه لايسعه الا ان يعلن : انه ينتمي للحركة الاتحادية التاريخية .