من المعروف أن الشرف صفة تمسّ النفس والروح والخلق، فهو يعني الكرامة والنزاهة والصدق والأمانة والمروءة والشجاعة والإحسان وغيرها من القيم التي تتظافر مع بعضها لتسمو بالإنسان وتضعه في مرتبة التقدير والإجلال والتوقير، ومن المعروف أيضا أن هذا التعريف ورد شاملا لأنه يخص الإنسان أيا كان جنسه، ذكرا أو أنثى، لكن من المؤسف أن المجتمع يعرّف الذكر الشريف بكونه الرجل الذي يكسب قوت يومه بعرق جبينه، بينما يعرف الأنثى الشريفة بأنها المرأة التي لم تقم قط علاقات عاطفية مع الرجال؟ فلماذا؟؟ أعرف أن هذا السؤال يعتبر إحراجا منطقيا للنظام الاجتماعي برمته، وأن تعريفا كهذا للشرف يستقي روافده من القرون الطويلة من التخلف ومن الطقوس التي دعمته وساعدت على انحراف معناه ليتمحور كليا عندما يتعلق الأمر بالأنثى في موضوع واحد «السلوك الجنسي للمرأة». ليس هذا فحسب، فوضعها يصبح حساسا جراء ذلك ومعرضا للنقد والهجوم متى تشاجرت مع أحدهم، فأبسط ما يمكن أن يتهم به أحدهم امرأة هو كونها غير شريفة وفق المفهوم أعلاه، بينما بالنسبة إلى الرجل ليس هناك شيء اسمه الشرف في السلوك الجنسي، وإنما شرفه موجود عند أخته وأمه وزوجته وكل النساء اللواتي هن تحت وصايته أو اللواتي تحملن اسمه ونسبه، لذا يسمح له حسب هذا المنطق بالزنا ومعاشرة النساء قبل وبعد وأثناء الزواج بمباركة من المجتمع، فمهما خاض من التجارب الجنسية فسيظل عفيفا شريفا لا تلوثه هذه العلاقات، فشرفه واسع يتسع لكل المعاني ويختزن كل الاحتمالات، بينما شرف المرأة ضيق كثقب الإبرة، مثله مثل عود الثقاب يشتعل مرة واحدة ويصبح غير صالح، بينما شرف الرجل مثله مثل القداحة «Le briquet» ممكن أن يشتعل إلى ما لا نهاية وينطفئ دون أن يؤثر ذلك عليه في شيء. أكيد أن هناك من سيتهمني مجددا بالتحيز للمرأة في ما أكتبه وبكوني أناصرها ظالمة ومظلومة، لكنني أؤكد أنني لا أتحيز لها، فقط كامرأة تكتب في ملحق نسائي، أحكي عن بعض معاناة النساء في حياتهن الخاصة، فلا أحد يُنكر الحرية المتاحة للرجل وسهولة بوحه بما يفعله أمام الكثيرين دون تخوفه من أن يكون موضع شبهة، بل كثيرا ما تصبح مغامراته الجنسية نادرة من النوادر، يتحدث بها إلى أصدقائه وأهله وهو يضحك. كما أنني أؤكد أنني لست ضد الشرف بالمعنى الذي يضعه المجتمع للأنثى، فمفخرة ألا يدنس الإنسان نفسه وروحه بالرذيلة، لكن هذا لا ينسحب على المرأة فقط، لأن المجتمع عندما يختزله في السلوك الجنسي للمرأة ويحاسبها به يغفل السلوكات غير الشريفة الحقيقية التي تتسبب فعلا في أزمة المبادئ والقيم والمثل العليا، فكل من يسعى في الأرض فسادا، رجلا كان أو امرأة، ومن يغش الناس ويهينهم ويحرقهم ويغتصبهم ويُعذبهم ويغرقهم ويسرقهم ويصادر أحلامهم وطموحاتهم ومستقبلهم، هو عديم الشرف.