هل صحيح أن كل ما يستهلكه سكان الدار البيضاء من لحوم حمراء يخضع للمراقبة الطبية الضرورية؟ هذا أمر غير ممكن في نظر العديد من مهنيي هذا القطاع نفسه، ذلك أن البعض منهم يؤكد أن لحوم الذبيحة السرية وصلت حتى إلى الأسواق الممتازة. خريطة الذبيحة السرية في العاصمة الاقتصادية ليست، في حقيقة الأمر سرا، السلطات بكل مصالحها تعرف كل دروب وأحياء هذه الخريطة. «زاوية» درب غلف واحدة من النقط التي تعد قلعة محصنة للذبيحة السرية. وكل محاولات الدخول إلى هذه القلعة من طرف دوريات المراقبة باءت بالفشل. هناك من يتحدث عن تواطؤ بين عدة أطراف في السلطة وأصحاب هذه القلعة كي يظل الوضع على ما هو عليه، لكن البعض يرى أن إغلاق قلعة زاوية درب غلف، مصدر الذبيحة السرية بامتياز، معناه تشريد مئات الأسر التي تبقى هذه «التجارة» مصدر عيشها الوحيد. السر المعلوم كم يستهلك البيضاويون من اللحوم الحمراء للذبيحة السرية؟ الجواب عن هذا السؤال صادم عندما نسمعه على لسان مصدر من القسم الاقتصادي والاجتماعي لولاية الدار البيضاء «البيضاويون يستهلكون 80 في المائة من لحوم الذبيحة السرية من كمية استهلاك إجمالية تترواح بين 100 ألف إلى 120 ألف طن سنويا تعرض ب125 ألف نقطة بيع مرخص لها». وهو ما يعني، حسب مصدرنا، أن كمية 20 في المائة من اللحوم المستهلكة هي التي تخضع للمراقبة البيطرية في المجازر البلدية التابعة للعاصمة الاقتصادية. اللافت للانتباه أن دوريات المراقبة التي تجوب شوارع المدينة لتفقد اللحوم المعروضة في محلات الجزارة والموجهة إلى المستهلكين، تضبط بين الفينة والأخرى كميات من اللحوم الحمراء غير المؤشر عليها من قبل المصالح البيطرية، ليس داخل محلات الجزارة فقط، بل أيضا حتى داخل بعض «الأسواق الممتازة». وفي هذا السياق، سبق لهذه المصالح البيطرية أن حجزت لحوما من وحدات تابعة لمتجر ممتاز، وكذلك من داخل محلات جزارة عصرية تتمركز في شوارع رئيسية ويوهم أصحابها زبنائهم بأنهم يبيعونهم لحوم المجازر البلدية فيما يعرضون أمامهم لحوما مصدرها الذبيحة السرية. محمد ساجد، رئيس مجلس مدينة الدار البيضاء، سبق له، في اجتماع عقد شهر رمضان الماضي مع ممثلي مهنيي المجازر البلدية، أن قام باستصدار قرار الإغلاق الفوري للمحلات التي تروج الذبيحة السرية، بصفته ضابطا للشرطة الإدارية. كان ساجد يعتقد أنه سيخلص المدينة من لحوم غير مراقبة صحيا، غير أنه استسلم في نهاية المطاف لأن جيوش الذبيحة السرية لا تقهر، قبل أن يرفع الراية البيضاء معلنا عن هدنة لازالت مستمرة إلى الآن. وهكذا مر شهر رمضان المنصرم وظل حال المحلات التي تعرض لحوم الذبائح السرية على ما هو عليه. وحتى عندما احتج بعض المهنيين على كون لحوم الذبيحة السرية مازالت تروج بعد انصرام رمضان في أسواق المدينة، مستشهدين بسوق «ولد امينة بالحي الحسني»، باعتباره محطة للذبيحة السرية، فإن احتجاجاتهم تلقتها السلطات بتجاهل كبير ليستمر مروجو لحوم الذبائح السرية في مزاولة أنشطتهم. المجازر البلدية داخل مرافق المجازر البلدية التي تسيرها شركة إسبانية يفتقد المهنيون ظروف عمل مناسبة وتغيب حاجيات أساسية، يقول المهنيون إنها ضرورية للعمل كالموازين والمخاصم وواقيات الشمس بالنسبة إلى تجار السقط. وسبق أن استنفر غضب تجار اللحوم الحمراء بالمجازر البلدية، إثر استفحال ظاهرة الذبيحة السرية، عمال مقاطعات وأقاليم ولاية جهة الدارالبيضاء الكبرى، والتزمت السلطات بالإغلاق الفوري لمراكز الذبيحة السرية، والعمل على الحد من تدفق اللحوم غير المركزية الواردة من الأسواق الهامشية للمدينة، لكن سرعان ما عادت الأمور إلى سيرتها الأولى لأن الذبيحة السرية في المدينة ليست وليدة اليوم، وتحتاج إلى وقت أطول لتجفيف ينابيعها. ولا يقتصر وجود الذبيحة السرية على «زاوية» درب غلف وسوق ولد امينة بالحي الحسني، وإنما توجد أيضا في أحياء راقية بآنفا مرورا بحي «ليساسفة» و«فيرارة» و«دلاس» بعمالة الحي الحسني، و«درب السبليون» بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان. وتباع لحوم الذبيحة السرية في «سيدي مومن» و»أناسي» و»الأزهر» بعمالة سيدي البرنوصي، وفي «فران الحلوة» بعمالة ابن امسيك، وسيدي معروف بعمالة عين الشق. وحسب مصدر من ولاية الدار البيضاء، فإن هذه الأسواق ينحر فيها ما لا يقل عن 4000 رأس أسبوعيا لا تخضع لحومها للمراقبة الطبية، وهو ما يهدد حياة المستهلك. وحجزت السلطات خلال الفترة الفاصلة ما بين شهر يونيو وأكتوبر من سنة2007 مئات الأطنان من لحوم الذبيحة السرية، فيما أحالت 149 من المتهمين على النيابة العامة. ورغم أن عمال الملك على مقاطعات المدينة وإقليمي مديونة والنواصر يعلمون بوجود مراكز للذبيحة السرية في مناطق تابعة لنفوذهم، فإنهم يجدون صعوبة في محاربتها، مبررين هذا العجز ب«انعدام الإمكانيات الضرورية لمحاربة ظاهرة معقدة». صعوبات المراقبة ومؤخرا، أوقف رجال الدرك بمنطقة تيط مليل جزارين وحجزت لحوم 8 رؤوس أغنام وبقرة محملة على متن شاحنة وموجهة إلى الاستهلاك في الدار البيضاء. وقد أحيل الجزاران على العدالة بتهمة «تهريب لحوم غير مركزية». كما حجزت دورية للمراقبة في عمالتي آنفا والحي الحسني ما يفوق نصف طن من لحوم الذبيحة السرية. وبعد أن أحدثت سلطات المدينة دوريات لمراقبة الذبيحة السرية، فإن ممتهني هذه الأخيرة فطنوا بدورهم إلى أنهم مراقبون وسرعان ما عمدوا إلى تغيير حيلهم. هكذا، أصبح تجار الذبيحة السرية لا يشرعون في ترويج اللحوم المشكوك في سلامتها الغذائية إلا في فترة ما بعد الظهر، طالما أن دوريات المراقبة غالبا ما ينحصر مرورها التفقدي لبعض المراكز ما بين ال11 صباحا والواحدة بعد الزوال. وبدورها، تواجه دوريات المراقبة التي تسخرها ولاية المدينة لمراقبة الظاهرة صعوبات، كقلة عدد التقنيين البيطريين الذين لا يتجاوز عددهم 8 أطباء بيطريين، يعملون داخل المجازر البلدية، وفي الوقت نفسه يقومون بدوريات لمحاربة الذبيحة السرية دون أن يتقاضوا تعويضا عن هذا العمل الإضافي، مما يبرر رفضهم القيام بدوريات مراقبة في فترة ما بعد الظهر وفي عطلة نهاية الأسبوع. وكان جزارو مدينة الدار البيضاء تظاهروا، قبل بضعة أشهر، أمام مقر المجازر الجديدة احتجاجا على التسيب الذي يعرفه القطاع، لكن الذي وقع فيما بعد أن السلطة هددت بعض المتظاهرين باستعمال سلاح الذبيحة السرية المعروضة في محلاتهم التجارية، حينها خفت صوت الاحتجاج تحت مفعول هذا السلاح.