عمال اليد والفكر هم البناة الحقيقيون للحياة، بسواعدهم وعقولهم وتعبهم وكدهم وكفاحهم، وفاتح ماي هو لحظة تاريخية يتحول فيها هؤلاء إلى يد واحدة وصوت واحد يطالب بمستقبل أفضل وظروف أحسن. إلا أن ذكرى الأول من ماي لهذا العام تأتي متزامنة مع فاجعة «محرقة ليساسفة» والتي تؤكد حصيلتها وظروف حدوثها أن لا شيء قد تحقق، فخطابات الحرية والديمقراطية ومحاربة الجوع والفقر والبطالة والعمل على الرقي بالمستوى المعيشي للإنسان والدفاع عن حقه في حياة حرة كريمة مجرد كلام لأن حضارة وتقدم أي مجتمع أو نظام سياسي يقاسان بمدى سيادة هذين المفهومين فيه، والذين تحتاج سيادتهما وقبل المناداة بهما إلى مناخ ملائم وأرضية صلبة يسود فيها القانون أولا وتحترم فيها حقوق المواطنين وكرامتهم وحقوق كل المناضلين والكادحين، هؤلاء الذين يكابدون المشاق وينتجون الثروة ويناضلون من أجل مجتمع عادل ومصير مشرق لوطنهم، والمناداة بالانحياز المشروع للحكومة إلى قضايا هؤلاء والتصدي لكل مظاهر الحيف والغبن تصديا واعيا وحازما لا التآمر عليهم وضدهم مع أصحاب العمل الذين يسعون إلى الاستيلاء على مقدراتهم واستغلالهم في انتهاك صريح وخطير ومستهتر لكل القوانين كما حدث في معمل ليساسفة الذي لا يسعنا حياله إلا القول إنا لله وإنا إليه راجعون ورحمة الله على كل من لقوا مصرعهم وهم يناضلون من أجل لقمة العيش الحلال وسط خطر محدق. فلا يمكن الاستمرار في ترك الأشياء تسير هكذا، نحن بأمس الحاجة اليوم إلى أن تتم إعادة هيكلتنا جميعا، لنتشكل من جديد بصورة أخرى مغايرة، لأن ما حدث مسؤوليتنا جميعا، فكلنا غير مبالين، عاشقون للارتجال، جاهلون بقوة الأفكار، نهوى إيذاء بعضنا، وحلم كل من أتيحت له الفرصة جمع أموال هذا البلد والفرار أو تكديس الثروة على حساب أناس نظرا لحاجتهم للعمل، يهلكون أنفسهم لقاء كسب يومي مجبول بالعرق والألم والظلم والاضطهاد والاستغلال والخوف والموت. فشهداء ليساسفة سينضافون إلى وصمات العار المرسومة على جبين هذا الوطن وما أكثرها، وسيشكلون مأزقا جديدا من مآزق الحكومة التي حان لها أن تتحرك لتحقيق انفراج حقيقي في الحياة الاجتماعية قوامه إعادة الاعتبار إلى العنصر البشري وإلى حق المواطنة وسيادة القانون من أجل مستقبل أفضل للشغيلة ولكل المواطنين، يتحدد في حياة اجتماعية، اقتصادية، سياسية وديمقراطية تقوم على أسس متطورة لا أن يبقى شعب بأكمله يعيش تحت رحمة من يريد فقط تحقيق الأرباح على حساب عرق المساكين وإلغاء العقل بما يعنيه ذلك من غياب التخطيط في أبسط أشكاله. هذا التخطيط الذي يحتاج إلى الدقة والحسابات الواضحة و إلى فريق عمل ومؤسسات وقوانين ومختبرات وإلى ذهنية عملية وعلمية لا تضع العارض في حساباتها بل تتعامل بموضوعية في قياس الأشياء حتى لا تتكرر مثل هذه المآسي إن كنا فعلا نود أن نسير إلى الأمام.