رغم مرور ستة أيام على الكارثة غير المسبوقة التي أودت بحياة 56 عاملا في الحريق الذي شب بمصنع للمفروشات بالمنطقة الصناعية ليساسفة بالدارالبيضاء، فإنه لا أحد من المسؤولين اتصل بعائلات الضحايا في ما يخص الحديث عن التعويضات. وأكدت عائلة الضحية امحمد الخباز، البالغ من العمر 41 سنة بحي النسيم ويعيل عائلة متكونة من 3 أطفال وأب عجوز وأم مقعدة وأخ مريض نفسيا، أنها لم تتوصل، إلى حد الآن، بأي خبر يقين عنه بعد أن بحثت عنه في جميع المستشفيات، مما يؤكد أن جثثته مازالت تحت الأنقاض. وتلتمس هذه العائلة مساعدتها في إيجاد جثمانه، مضيفة أن حي النسيم، حيث ينحدر الضحية، انتصب به العديد من خيم العزاء. إلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة أن الأبحاث مازالت جارية للكشف عن هويات 5 جثامين مشوهة بالكامل. بعد التعرف على هوية آخر ضحية وتسليمه إلى ذويه. من جهة أخرى، نظم العشرات من المستخدمين بالمعامل المجاورة لمصنع روزامور وقفة احتجاجية تضامنية مع الضحايا المنكوبين، في حين توجه ما يناهز 20 عاملا ناجيا من المحرقة صبيحة أمس الأربعاء إلى مقر شركة «تكترا» المتعاقدين معها قصد تسلم راتبهم الشهري. وكان مصدر أمني رفيع المستوى قد كشف ل«المساء» أن سبب هذا الحريق ناجم عن بقايا سيجارة تركها أحد المستخدمين بالطابق ما فوق الأرضي بجانب قطعة إسفنج بها مواد لاصقة (كولا)، وعندما عجز عن التغلب على النيران التي اندلعت بها قام برميها إلى الطابق الأرضي الذي كان به عمال النجارة، لتنتقل النيران بعد ذلك إلى المستودع الذي كان يحتوي على مواد قابلة للاشتعال، قبل أن يعم الحريق باقي طوابق المصنع المكون من أربعة طوابق. وحسب المصدر ذاته، فقد تم اعتقال عاملين مسؤولين ثبتت مسؤوليتهما المباشرة في اندلاع هذا الحريق، في حين تمسك رب المصنع، المعتقل على ذمة التحقيق، بكونه لا يد له في هذه الحادثة، محملا العاملين السالفي الذكر مسؤولية ما وقع. لكن المحققين واجهوا رب المصنع بكون مسؤوليته تبقى ثابتة في ما جرى نظرا لعدم اتخاذه الاحتياطات اللازمة في ما يخص السلامة من الحريق ومخالفاته القانونية المختلفة، من خلال إقدامه على تسييج بناية المصنع بحواجز من حديد وإحكام إغلاق أبوابه، وإجبار العمال على المكوث داخله، حيث تعلل بأنه أقدم على ذلك خوفا من أعمال السرقة التي كان يقوم بها العمال بعد أن اتهمهم بأنهم كانوا يرمون بالمسروقات من النوافذ إلى الخارج. وكشف المصدر ذاته أنه نظرا للتداخلات الكثيرة في هذه القضية، فإن التحقيق سيطال كل مسؤول قدم أي مساعدة في ما يخص المخالفات القانونية المتعلقة بزيادة طابق ثالث، وكل من تغاضى عنه طيلة المدة التي بوشر فيها العمل بالمصنع بهذه الصيغة، مضيفا، في السياق ذاته، أن كل من تثبت مسؤوليته في ما وقع، من قريب أو بعيد، سيقدم للتحقيق. وقد خلص البحث الأولي، الذي أجري في الموضوع، إلى متابعة رب المصنع وابنه واثنين من المستخدمين بتهم تتعلق بالقتل غير العمدي بسبب حريق والإهمال وعدم مراعاة القوانين المنظمة للصحة واستغلال محل صناعي دون ترخيص. وتعليقا على هذا التكييف، أوضح عبد اللطيف الحاتمي، المحامي بهيئة الدارالبيضاء، أنه يصعب من الناحية القانونية تكييف الوقائع على أساس قتل عمد. ولكن أخذا بعين الاعتبار للإهمال الشديد الثابت في حق رب المصنع وعدم احترامه لشروط السلامة، إلى حد يتوقع معه حصول الكارثة، يرجح أن يسير التكييف القانوني على غير المحمل الذي ذهبت إليه الشرطة في توجيه مسطرة البحث، وأضاف، في تصريح ل«المساء» أن الثابت، من خلال وقائع هذه النازلة، أن رب العمل لم يتقيد بشروط السلامة، كما حد من حرية وحركة تنقل العمال من خلال غلق الأبواب، مشيرا، في السياق ذاته، إلى أنه لو بذلت النيابة العامة جهدا إضافيا، كما فعلت في قضية ثابت، لكيفت القضية على أساس أنها احتجاز، مبرزا أنه حتى إذا لم تكن لدى المشغل نية قتل الضحايا فإنه يكون قد ساهم في الكارثة من خلال عملية الاحتجاز التي تبقى عناصرها قائمة.