يعد ميغيل أنخيل أغيار أحد الأقلام المعروفة في صحيفة «إيل باييس» الإسبانية التي ينشر بها عمودا أسبوعيا في صفحة الرأي، كما أنه أحد المثقفين الإسبان الذين يعرفون تفاصيل الانتقال الديمقراطي في الجارة الشمالية والعلاقات مع الجار الجنوبي. ويطرح في هذا الحوار، الذي أجري معه في باحة فندق الحمراء بلاص بغرناطة، رؤيته للعلاقات بين المغرب وإسبانيا وظهور المطالب المغربية باستعادة المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، مثلما يعرج على بعض القضايا السياسية الإسبانية الراهنة. - هل تعتقد أن العلاقات بين الرباطومدريد تعيش أزمة غير معلنة منذ زيارة ملكي إسبانيا لمدينتي سبتة ومليلية؟ < أظن أن هناك إرادة قوية وواضحة لدى الجانبين من أجل الدفع بمستوى العلاقات بينهما بشكل يجعلها مستقرة أكثر ويقلص هامش التوتر الموجود، وهكذا فإنني أعتقد أننا نعيش لحظة جيدة بعد عودة السفير عمر عزيمان إلى مدريد واستئناف مسلسل تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، ولا يمكن أن نقارن الوضع الحالي بفترة حكم اليمين بقيادة خوسي ماريا أثنار، ومع ذلك يجب الاعتراف بوجود مشاكل بين البلدين وأوضاع لا يفهمها المغاربة، فالحكومة المغربية تشتكي من سوء المعاملة من طرف وسائل الإعلام الإسبانية، لكنها يجب أن تعلم أن وسائل الإعلام في بلادنا تتعامل بشكل أسوأ مع الحكومة الاسبانية نفسها. وأنا أدعو المسؤولين المغاربة إلى الاستماع إلى ما تبثه إذاعة كادينا كوبي الإسبانية، لكونهم سيدركون أن الفظائع التي تسرد عن الحكومة الاسبانية هي أكثر بكثير من تلك التي تقال عن الحكومة المغربية. وما أريد إبلاغه للمغاربة هو أن الحكومة الإسبانية لا تتحكم في وسائل الإعلام، لذلك وجب عليها الاقتناع بعدم وجود أية نية لدى الحكومة الإسبانية لمهاجمة المغرب، وهذا التوضيح أمر أساسي في العلاقة بين البلدين، وهو ما يمكنه أن يقودنا في الاتجاه الصحيح. - ألا ترى أن مواقف إسبانيا إزاء موضوعات سبتة ومليلية والصحراء هي سبب خلق المشاكل بين البلدين؟ < بطبيعة الحال، هناك دائما مشاكل بين البلدين، وحتى عندما سننتهي من هذه المشاكل ستظهر أخرى، وسيبرز من يطالب بضم الأندلس. وأنا لا أفهم شخصيا لماذا لا نترك كل هذا جانبا ونشتغل باعتبارنا جيرانا في إطار تعاون ذكي. وأود التطرق إلى موضوع الصحراء للقول إن تعامل إسبانيا مع الصحراويين وتقديم الدعم لهم راجع إلى لحظة دقيقة من تاريخ البلاد والمتمثلة في احتضار الجنرال فرانكو وتنظيم الملك الراحل الحسن الثاني للمسيرة الخضراء مستغلا الهشاشة الكبيرة لإسبانيا خلال تلك الفترة لوضع حد للوجود الإسباني في الصحراء. وهذا التعاطف الكبير مع الصحراويين لا نجده في البرلمان والحكومة، بل في الشارع وفي أوساط الإسبان العاديين، وتعبر عنه الزيارات التي تنظم والتبادل مع مخيمات تندوف، وهذا لا تتحكم فيه الحكومة بل بلديات مدن كثيرة مثل قادس وفلنسية ومدريد وبرشلونة، ويجب أن يفهم المغاربة أن دعم الصحراويين في مخيمات تندوف أمر ينفلت من عقال الحكومة. - وكيف ترى الحديث عن ضرورة تسوية ملف سبتة ومليلية العالق بين البلدين؟ < لا أعتقد أنه سيكون هناك حل لقضية سبتة ومليلية مادامنا لم نتوصل بعد إلى حل بشأن مشكلة جبل طارق، ويجب أن تكون المدينتان نقطتين للتعاون والتبادل الثقافي، مثلما يمكن أن تكونا نقطتين للتوتر. وأريد أن أوضح هنا أنه يجب تجميد المطالب المغربية المتعلقة باسترجاع المدينتين، مثلما جمدت إسبانيا مطالبها باستعادة صخرة مضيق جبل طارق، فنحن جمدنا موقفنا إلى حين تغيير الموقف داخل الاتحاد الأوربي وتغيير رأي سكان الصخرة وتعبيرهم ذات يوم عن رغبتهم في الالتحاق بإسبانيا. ولا بد من الإشارة، في هذا السياق، إلى أن أول حكومة شكلها أدولفو سواريث بعد وفاة فرانكو كانت تركز على ضرورة استعادة مضيق جبل طارق، مثلما كان المطلب الرئيسي للحكومة الثانية بقيادة أدولفو كالفو سوتيلو هو استعادة صخرة جبل طارق، والشيء نفسه ردده فيليبي غونزاليث بعد فوزه في الانتخابات التشريعية عام 1982، لكن بعد ذلك اختفت المطالب الإسبانية بشأن صخرة جبل طارق وشرعنا في الاهتمام بأمور أخرى، وآمل أن يتعب المغرب أيضا من المطالبة باسترجاع سبتة ومليلية. - ننتقل إلى السياسة الداخلية لاسبانيا، ما هي التحديات الجديدة التي ستواجهها حكومة ثباتيرو الجديدة؟ < أظن أن هناك شيئين مهمين كانا يشغلان الحكومة والرأي العام الاسباني خلال الولاية السابقة، ويتمثلان في النقاش الحاد الذي جرى حول نظام الحكم الذاتي، خصوصا في إقليم كاتالونيا وفشل مسلسل المفاوضات مع منظمة إيتا الإرهابية، ويبدو جليا، الآن، خلال هذه الولاية التشريعية، أن الحكومة ليس لديها أي هامش من أجل اختيار الأولويات، بل بات لزاما عليها مواجهة الأزمة الاقتصادية التي لم تخترها والتي لها تأثير مباشر على الشغل وقطاعات البناء والعقار، وهو ما جعل الحكومة مجبرة على تحليل الوضع وطرح مقترحات وحلول من أجل الخروج من هذه الوضعية. - هل تعتقد أن ثباتيرو لن يرتكب أخطاء كبرى مثل التي اعترف بكونه وقع فيها خلال الولاية السابقة، هل سيكون أداؤه أفضل خلال الولاية الحالية؟ < ممارسة الحكومة تمرين نتعلم منه أساليب الحكم، ولا نعلم بالضبط ما الذي تعلمه خوسي لويس رودريغيث ثباتيرو من الأربع سنوات التي قضاها داخل المونكلوا، خصوصا في تدبير علاقاته مع المعارضة والحزب الشعبي اليميني بالذات، وهذا التدبير مهم من أجل الدفع ببعض المشاريع المتوقفة مثل تنظيم أنظمة الحكم الذاتي وإصلاح مؤسسة السلطة القضائية وتحديث القضاء في إسبانيا، وهي أشياء مهمة تتطلب اتفاقا بين الحزب الحاكم والمعارضة من أجل إخراجها إلى حيز الوجود. - وكيف ترى اختفاء القوة السياسية الثالثة في البلاد، وأتحدث هنا عن حزب اليسار الموحد؟ < لم يستطع حزب اليسار الموحد الحصول على أكثر من مقعدين، مما حرمه من تشكيل فريق داخل البرلمان، وهو مضطر الآن إلى التحالف مع بعض الأحزاب السياسية مع الحزب القومي الغاليسي والحزب الجمهوري من أجل تشكيل فريق برلماني، وهناك وضعية داخل الحزب معقدة. ويخفي حزب اليسار الموحد في دواخله بقايا الحزب الشيوعي الذي لم يكن حاجزا في وجه المصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي وكان منفتحا على التعاقد السلمي في البلاد، وهو حزب شيوعي قديم حاليا توقف به الركب عند سقوط جدار برلين ونهاية حقبة الحرب الباردة، مما يتطلب القيام بعملية تجديد واسعة في هياكله.