استضافت مدينة البويرة الجزائرية،الواقعة بمنطقة القبايل الكبرى، ملتقاها الدولي الثاني حول النص والمنهج: دورة التراث الشعبي والمنهج. وذلك من خلال ثلاثة محاور: تحديد المفاهيم، المنهج في دراسة التراث الشعبي، حضور الأدب الشعبي في النصوص السردية والشعرية الرسمية. وذلك أيام 21-22 و23 من الشهر الجاري، بمشاركة أكثر من أربعين ناقدا متدخلا ينتمون إلى مختلف الجامعات والمراكز الجامعية. إضافة إلى باحثين عرب: سعد القحطاني من السعودية وصبري مسلم الحمودي من العراق. ومثل المغرب وفد هام تكون من أحمد بوحسن ومبارك ربيع وبوشعيب الساوري وأحمد فرشوخ. انطلقت أشغال الورشة الأولى من دروة التراث الشعبي التي انعقدت في مدينة البويرة الجزائرية في جلستها الأولى التي ترأسها الأستاذ عبد الحميد بورايو. وتدخل فيها أحمد بوحسن (أستاذ جامعي من المغرب) بمداخلة عنونها ب«رفع القلق عن مفهوم الأدب الشعبي» وذلك بغية عرض أصول تكوين مفهوم الأدب الشعبي والكشف عن مختلف التشييدات التي عرفها في مختلف تجلياته، وتحديد مختلف المكونات الفكرية والثقافية والجمالية التي أشبع بها المفهوم في صيرورته والوقوف على ما نتج عن ذلك من ممارسات وتصورات فكرية وفنية وجمالية. وللوصول إلى تلك الغاية استعان الباحث بمقاربة ابستمولوجية وتكوينية ومقارنة. وتلاه أحمد حيدوش (جامعة البويرة) بمداخلة حملت عنوان «المضحك في الأشكال الحكائية الفكاهية»، محاولا تصنيف الكثير من المصطلحات التي تصب في أدب الفكاهة على الرغم من اختلافها من حيث المدلولات. أما حورية بن سالم (جامعة تيزي وزو) فقد قدمت تحليلا لخطاب الحكاية في حكاية شعبية أمازيغية تسمى بلعجوط مزاوجة بين التحليل البنيوي والسيميائية. وتدخل لزهر مساعدية (جامعة تبسة) فحاول التمييز بين مفهومي الأدب الشعبي والأدب الرسمي كما قام بتحليل للعديد من الأمثال الشعبية الجزائرية مقارنا بينها وبين أمثال عالمية. وتلاه مبارك ربيع (روائي من المغرب) بمداخلة حملت عنوان التراث الشعبي في النصوص الأدبية: التحول والقيم، مقدما شهادة عن تجربته الروائية وكذا مسألة تحول القيم انطلاقا من العلاقة بين التحول والقيم في هذا التراث، كما يتجلى بأوضح صورة عند المقارنة مع مضمون التراث السردي والمعاصر من جهة، كما بينه وبين معطيات ميدانية في مجال القيم.. وفي جلسة مسائية عن الورشة الأولى ترأسها أحمد بوحسن وافتتحها عيسى بوفيسو (جامعة المسيلة) بورقة تحت عنوان التراث الشعبي المفهوم والوظيفة، أبرزت تعدد المفاهيم واختلاف الرؤى حول مصطلح فولكلور كموروث شعبي والتي أدت إلى تعدد مناهج دراسته. أما عتيقة الأطرش (جامعة سطيف) فحاولت عرض الرؤية المنهجية التي استنبطها الباحث العراقي ياسين النصير في كتابه المساحة المتخفية في مقاربته للحكاية الشعبية العراقية وحاولت تطبيقها على الحكاية الشعبية الجزائرية. وفي مداخلة عمرو رابحي (جامعة لبويرة) تم تناول مرتكزات وبدايات الأدب الشعبي وتجلياته على مستوى السرد والشعر. وتلته عتيقة حيدوش(جامعة البويرة) بورقة معنونة ب«إسهامات الجاحظ في الثقافة الشعبية»، وذلك بالإشارة إلى حضور الثقافة الشعبية في كتابات الجاحظ وبيان طريقة الجاحظ في رواية الشعر والنثر على حد سواء. وتلتها حبيبة مسعودة (جامعة جيجل) مبرزة العلاقة بين بنية النص الشعبي وتحولات المنهج ومدى تحولهما وآثاره. واختتمت هذه الجلسة بتدخل لعبد اللطيف حني(جامعة الطارف) أبرز معوقات دراسة الأدب الشعبي وآثارها على نتائج البحوث العلمية وتساءل عن السبل الكفيلة بتجاوزها. وفي اليوم الثاني (22 أبريل) والذي عرف ورشتين، الورشة الأولى والتي ترأسها سلطان سعد القحطاني. افتتحتها سامية جباري(جامعة الجزائر) بمداخلة حملت عنوان التراث الشعبي في الشعر الأندلسي مبرزة جمالية التراث الشعبي ومعانيه الإنسانية وصوره البلاغية وكيف أثر في الأدب الأندلسي من خلال التركيز على تحليل الزجل الأندلسي. وتلاها حاتم كعب (جامعة بسكرة) بورقة حول سيمياء العنوان في الشعر الشعبي الجزائري من خلال نموذج هو بسمات من الصحراء للشاعر حسان درنون. وتدخل امحمد زكور(جامعة جيجل)، مركزا على أهمية الشعر الشعبي الأوراسي في كتابة التاريخ وما يسلطه من أضواء على الكثير من الأمور التي يسكت عنها التاريخ الرسمي. وفي جلسة ثانية موازية الثانية برئاسة صبري مسلم حمودي تدخل في البداية أحمد فرشوخ (باحث من المغرب) بورقة تحت عنوان جمالية المقاومة: طرائق اشتغال الأدب الشعبي في نماذج من الرواية العربية انطلاقا من فرضية أساسية ترى بأن الإبداع الشعبي قادر على مقاومة الهيمنة وتخريب السرديات المتمركزة . ومن ثم تنسيب التصنيفات الأدبية والثقافية وكسر معياريتها المزعومة .ذلك أن إنتاج الأدبية مقترن بالسياق الثقافي، إذ لا وجود لأدبية وحيدة تتجاوز الشروط المكانية والزمنية، كما أن النصوص على اختلاف أنواعها متورطة وجوبا في شبكة العلاقات السياسية الاجتماعية المعقدة. ولإبراز هذه الفرضية تناول الروايات التالية «سرادق الحلم والفجيعة» لعز الدين جلاوجي، «سبع صبايا «لصلاح الين بوجاه، «خالتي صفية والدير» لبهاء طاهر، «جارات أبي موسى» لأحمد توفيق. وتلاه محمد الأمين خلادي(جامعة أدرار) بورقة ركزت على علاقة السرد الروائي الجزائري بالتراث الشعبي من خلال عدة نماذج روائية، مبرزا أنها تستلهم جماليتها من التراث الشعبي. وقدم علي مومن (جامعة عنابة) ورقة عن توظيف التراث الشعبي في الرواية البوليسية الجزائرية، خصوصا وأن الرواية البوليسية تصنف ضمن الأدب الشعبي. وذلك من خلال نموذج وهو رواية ياسمينة خضرا «بم تحلم الذئاب» وفق منظور سوسيو نقدي. وتم اختتام هذه الجلسة بورقة للباحثة كاهنة دحمون(المركز الجامعي البويرة) حول حضور التراث الشعبي في رواية لعبد المالك مرتاض، مبرزة تقنياتها وخصائصها ودورها في تجديد السرد الروائي. وشهد اليوم الثالث(23 أبريل) جلستين متوازيتين للورشتين. وقد ترأست الجلسة الخاصة بالورشة الأولى فتيحة كحلوش. وكان أول متدخل فيها هو بوشعيب الساوري(ناقد وباحث المغرب) بورقة موسومة بالحكاية الشعبية من التوظيف إلى المساءلة، ركزت على ظاهرة توظيف التراث الحكائي الشعبي في السرد العربي المعاصر، وتحديدا في مجال الرواية الظاهرة التي تجلت بشكل واضح في العقود الثلاثة الأخيرة في عدد من الروايات العربية واحدة من السبل التي اتبعتها الرواية العربية في بحثها عن آفاق فنية جديدة. انطلاقا من وعي بعض الروائيين بأن العودة إلى الجذور ضرورية، ليس من أجل الانغلاق على الذات، وتقديس الأجداد، وتمجيد الماضي وتحنيطه، واستعادته؛ بل لمساءلة الذات من خلال مساءلة الماضي، والوقوف على الخصائص المميزة لها، وخلخلة التراث. سعيا منهم إلى كتابة نصوص روائية جديدة، ترتكز على نصوص سردية قديمة، يوظفونها ويحاورونها ويتفاعلون معها نصيا ولا يتطابقون معها. فلا يوظفون النصوص السردية التراثية إلا للابتعاد عنها. ولا يستعيدون التراث كما هو، ولا يقلدونه، وإنما يغنونه. وقد اختار الباحث كنموذج للتحليل روايات الميلودي شغموم.