منذ الآن يجب على بعض السينمائيين المغاربة أن يتوقفوا عن إخراج الترهات السينمائية، ويحاولوا إنتاج سينما حقيقية منطلقة من واقع المغاربة وهمومهم وانشغالاتهم. ومنذ أن خلق الله السينما المغربية، ظلت تتحدث عن الأعراس والجنائز، إلى حد أنه كان يندر أن يمر فيلم مغربي من دون مشاهد عرس أو جنازة. وفي الأفلام المغربية الأولى، كان المخرجون يغطون الجنازة أو العرس من البداية إلى النهاية، إلى درجة أن المتفرجين يعتقدون أن مشاهد العرس أو الجنازة حقيقية وأن أحد أفراد عائلة المخرج هو الذي تزوج أو مات. ثم تطورت السينما وأصبح بعض المخرجين أذكياء أكثر من اللازم ويتحدثون عن الجنس والسياسة والعميد ثابت وعبدة الشيطان. لكن الأغلبية الساحقة من مواضيعهم عالجوها بطريقة فجة وتصيب بالقرف ومن دون أي إبداع. المخرجون المغاربة الذين يشتكون من ضعف السيناريوهات وقلة الأفكار هم أول من يكرسون واقع الرداءة. الكثيرون منهم يرفضون سيناريوهات جميلة، وعوض ذلك يجلسون إلى مائدة العشاء مع أفراد أسرهم ويبدؤون في كتابة سيناريو جديد ويطرحون الأفكار بين كل لقمة ولقمة. وقبل منتصف الليل يكون السيناريو جاهزا، ثم يقبضون من أجله 500 مليون سنتيم من المركز السينمائي، وفي النهاية يأتي الفيلم مثل صرصار خارج من صفحات رواية كافكا... السينمائيون المغاربة، أو بعضهم على الأقل، لا ينظرون حواليهم ليعرفوا ماذا يجري. وحتى لو نظروا فإن عقولهم أصيبت بالتكلس. من منهم فكر الآن في تحويل القصة المثيرة لرقية أبوعالي إلى فيلم سينمائي؟ يعني فيلم حقيقي وليس خليطا من باذنجان وخيزّو. إن هذه المرأة التي هزت عرش القضاء في المغرب صنعت حدثا حقيقيا في بلاد كل شيء فيها راكد. كان الناس ينتظرون أن يتحرك مستنقع القضاء الآسن بفضل الجمعيات الحقوقية وهيئات المجتمع المدني، أو بفضل السلطات العليا في البلاد، لكن الذي حدث أن امرأة من قلب جبال تغسالين بالأطلس فعلت ذلك، ووضعت صورة القضاء المغربي أمام العالم، قضاء كما هو من دون ورقة توت. السينما المغربية يمكنها أن تنافس هوليود أيضا في أفلام الإثارة. إن أفلاما هوليودية مثل «الهروب الكبير» أو «ألكاتراس» أو «الفراشة» ستصبح بلا معنى في حال إنتاج فيلم عن السجناء المغاربة التسعة الذين هربوا من سجن القنيطرة بعد أن حفروا نفقا تحت الأرض. والغريب أن النفق امتد ثلاثة أمتار في العمق و25 مترا في الطول، وفي حال إنتاج فيلم حول هذا الموضوع فسيصبح من حق المغاربة أن يفخروا بأنهم ينافسون سينما هوليود. وقبل الهروب الكبير، كان سجن آخر على موعد مع حادث طريف، حين ضبط الحراس فتاة مع سجين في زنزانة أدخلت له في حقيبة، وهناك عشرات أو مئات الحكايات المثيرة من داخل السجون التي يمكن أن تتحول إلى سيناريوهات تنقذ السينما المغربية من عبدة الجنس البليد والحوارات المنحطة والأفكار الغبية. ليست السجون وحدها التي يمكن أن تغذي أفكار السينمائيين المغاربة، بل أيضا تلك الصراعات الدامية التي تجري بين الأسر أو تجعل القبائل تتواجه في ما بينها بالأسلحة النارية والبيضاء. فقبل بضعة أسابيع قتل رجل أخته في منطقة ميناء طنجة المتوسطي ببندقية صيد ونجت ابنتها من الموت بسبب صراع على الأرض. وبعد ذلك قُتل رجل بطريقة مثيرة داخل سيارته أمام محطة المسافرين في طنجة بسبب الصراع على الأرض بين عائلات في قبيلة واحدة، وقبل ذلك تواجهت قبائل بالأسلحة والسكاكين في صراعات مثيرة على الأرض. إن الواقع المغربي يتفوق كثيرا على فيلم «الأرض» الشهير للمخرج المصري يوسف شاهين، لكن مخرجين مغاربة كثيرين يبحثون عن أفكارهم النيّرة بين كأس وكأس عوض أن يبحثوا عنها بين آلام الناس وأحزانهم. بيد أن السينما لا يجب أن تكون كلها إثارة وأحزان. هناك أيضا السينما الكوميدية التي تلعب دورا كبيرا في إراحة العقول والأبدان. وفي الواقع المغربي أفكار كثيرة لمثل هذا النوع من الأفلام المضحكة، آخرها حكاية الوزيرة نزهة الصقلي التي دعت إلى منع آذان الفجر من أجل عدم إزعاج السياح. المخرج الذي يفكر في إنتاج فيلم كوميدي حول الموضوع يمكن أن يضع له عنوانا رائعا هو «نزهة الدنماركية».