يعرف المغرب اليوم حركية مطردة في المجال السينمائي؛ سواء على مستوى الإنتاج والترويج داخل وخارج المغرب أو على مستوى الاهتمام الذي يحظى به هذا القطاع من قبل الجهات الرسمي التي ما فتئت تدعمه بشتى الوسائل، باعتبار أنه قاطرة للتنمية البشرية ببلادنا. لكن في ظل هذه الحركية لا زال جانب التكوين السينمائي ببلادنا يعرف نقصا واضحا؛ خصوصا وأن مشروع إنشاء معهد عالي متخصص في المهن السينمائية لم ير النور بعد، في وقت تصرف فيه الأموال الضخمة على المهرجانات وعلى المركز السينمائي. ضعف البنية التحتية إلى غاية اليوم يتوفر المغرب على بعض المعاهد المتخصصة في مجال السمعي البصري أو السينمائي، غالبيتها تنتمي إلى القطاع الخاص، ومتمركزة في المدن الكبرى كالرباطوالدارالبيضاءومراكش وورزازات. وهذا ما أكده الكاتب والناقد مبارك حسني في تصريح لـالتجديد قائلا: يوجد مجموعة من المعاهد التي تهتم بالتكوين السينمائي، ومعاهد تابعة للدولة، ومعاهد خاصة دشنت بالرباط أو بمراكش وورزازات. وأيضا مجموعة من المدارس الخاصة بالدار البيضاء، التي أحدثت ما يسمى شعب في التكوين السمعي البصري، ومن بينه المجال السينمائي كتكوين مهندسي الصوت مثلا، والتقنيين، ومجموعة من المهن التي تحتاجها السينما. ولذك يرى حسني أنه لا يمكن الحديث عن تكوين سينمائي بالمغرب بالمواصفات المتعارف عليها عالميا؛ إلا ما كان في المدرسة التي يشرف عليها التكوين المهني، وإنما عن إرهاصات لشيء اسمه تكوينا سينمائيا . وهكذا نجد في الرباط المعهد المتخصص للسينما والسمعي البصري الذي تأسس سنة ,2002وهو معهد خاص أنشئ لتلبية حاجيات المغرب في ميدان السمعي البصري ومواكبة التحولات التي شهدها المغرب في هذا المجال. على أنه في الرباط توجد أيضا شعبة خاصة للسمعي البصري تابعة للتكوين المهني، لكنها كما جاء على لسان مجموعة من الطلبة تعاني من نقص في التجهيزات وأحيانا في الأطر. أما في مراكش فقد تم تدشين المدرسة العليا للفنون البصرية المخصصة في مجالات السينما والتلفزة والتواصل البصري وفنون التخطيط ومتعددة الوسائل في السنة الفارطة. وقد بلغ غلافها المالي 60 مليون درهم مولت من قبل مؤسسة سوزانا بيديرمان بنسبة 80 في المائة، بينما ساهمت جامعة القاضي عياض ب20 في المائة. كما تم إحداث إجازة في السينما والسمعي البصري هذه السنة، هي الأولى من نوعها بكلية الآداب بمراكش. وستستفيد هذه الإجازة من دعم البرنامج الأوربي توم بيس، وبشراكة مع المعهد الوطني لفنون السمعي البصري ببروكسيل والمدرسة العليا للسمعي البصري التابعة لجامعة لوموراي بتولوز الفرنسية، فضلا عن المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش. بالإضافة إلى المعهد المتخصص في وظائف السينما بورززات الذي يحاول تكوين الأجيال الصاعدة التي ترغب الاشتغال في مجال السينما. على أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:هل هذه المؤسسات يمكن أن تعطي تكوينا حقيقيا في ميدان السينما؟ غياب التكوين الحقيقي يرى الناقد السينمائي مصطفى المسناوي أن التكوين في مجال السينما مايزال عشوائيا. فمعظم معاهد التكوين في المجال السمعي البصري خاصة. والتكوين الذي تعطيه هو تكوين متوسط. أما التكوينات الأخرى فتتم على مستوى مراكز التكوين المهني لمدة سنتين، وتقتصر على تكوي تقنيين؛ خصوصا في الصوت. ويتساءل المسناوي: لماذا لم يتم إنشاء معهد عالي في مهن السينما في الوقت الذي يصل دعم الأفلام التي لا يشاهدها أحد إلى 6 ملايير سنتيم؟ وهنا لابد من الإشارة إلى أنه كان هناك مشروع منذ سنوات اقترحته وزارة الاتصال؛ يقضي بتأسيس معهد عالي في مهن السينما. وبالرغم من أن هذا المشروع نوقش ووتمت الموافقة عليه فلم ير النور بعد. من جهة أخرى صرح المسناوي للتجديد بأنه يتم غض الطرف على معهد خاص بمدينة مراكش الذي أسس بناء على حاجيات لا توافق الحاجيات الوطنية. هذا المعهد تم تأسيسه بشراكة وبتمويل أوروبي. وكان من المفروض أن ستجه هذا الدعم إلى العام وليس إلى الخاص. فلماذا لم يتم إنشاء معهد عام؟ ويخلص المسناوي إلى أنه لا توجد سياسة حقيقية تنعش هذا المجال. فالكل يعرف أن السينما تكوين، ولكن لا أحد يتحدث عن التكوين. لكن الناقد حسني أوضح أن التكوين الحاصل عليه اليوم هو تكوين مهني وليس سينمائي، وهنا يكمن الفرق. مما لاشك فيه أن غياب التكوين الجاد في الميدان السينمائي يؤثر سلبا على نوعية وقيمة الأفلام المنتجة من قبل العديد من المخرجين، خصوصا الشبان منهم الذين يعتقدون، على حد تعبير المسناوي، أن أخذ الكاميرا ثم تصوير بعض اللقطات والمشاهد بطريقة معينة وتركيبها بطريقة خاصة معينة يمكن أن يصنع سينما. في حين يقول المسناوي إن السينما هي هم جمالي وكذلك هم اجتماعي وتاريخي. فأنا لا أنجز أفلاما لتباري تقنيا مع مخرجين آخرين. أنا أنجز أفلاما كي أتحدث عن واقعي الخاص بطريقتي الخاصة. إشكالية التكوين خارج المغرب وبخصوص تكوين المخرجين المغاربة؛ يرى الناقد مبارك حسني أن هناك مخرجين تخرجوا من معهد لدهيك الفرنسي ومعاهد بولونية ومعاهد موسكو، لهم دبلومات سينمائية حقيقية مثل الدرقاوي وبناني وغيرهم. وهناك مغاربة تكونوا في المجال عن طريق الممارسة كمساعدين مخرجين، وبعد ذلك انتقلوا إلى الإخراج كحكيم نوري مثلا. على أن التكوين السينمائي بالخارج مازال يطرح إشكالية نظرة هؤلاء المخرجين إلى واقعهم وثقافتهم الأصلية. وتطرح هذه الإشكالية بحدة مع جيل الشباب الوافد من أوروبا أو أمريكا، والذي عادة ما يحمل ثقافتين مختلفتين. وفي هذا الإطار يعتقد مبارك حسني أن المخرجين المغاربة الذين تكونوا في أوروبا لا تأتي نظرتهم في الأفلام مغايرة للواقع المغربي، لسبب بسيط أن المخرج المغربي يعتبر نفسه مؤلفا وليس لولبا في آلة الصناعة السينمائية، والدليل على ذلك أن المخرجين المغاربة يكتبون السيناريوهات في جل أفلامهم. فالمخرج دائما يحاول أن ينخرط في هم معين. لكن في نظره قد يحصل هذا في حالات معينة عندما يكون إنتاجا مشتركا، حيث إن الجانب الغربي يفرض نظرة معينة للفيلم. فنحصل على أفلاما فيها مجموعة من الغرائبية ومن الصور التي تخدش حاستنا البصرية. في حين يرى المسناوي أن التكوين في الخارج طرح الكثير من المشاكل بخصوص الإخراج. لأن التكوين كما يقول مرتبط بأسئلة خاصة. يطرحها كل مجتمع على حدة. ولذلك فالذين تلقوا تكوينهم في معاهد غربية عندما يخرجون أفلامهم لا تجد فيها حساسية مغربية، وذلك على مستوى الرؤية أو المعالجة. مع العلم أن السينما يجب أن يرى المجتمع فيها عيوبه. ومن هذا المنطلق يرى أن السينما تصنع لحمة المجتمع وليس العكس. ومهما اختلفت الآراء فالكل يجمع على أن التكوين السينمائي بالمغرب يطرح إشكالا حقيقيا، خصوصا وأن السينما المغربية تشهد إغلاق العديد من القاعات التي تعاني من الأداء الضريبي، أمام تناسل المهرجانات التي تحاول إخفاء الوجه الحقيقي للأزمة، مما يجعل مستقبل السينما ببلادنا غامضا.