في وقت متقارب، برز بوحمارة في شمال الوسط وفي الشرق، والريسوني في الريف الغربي، كمثالين لتمرد كلاسيكي كان يبرز هنا وهناك، في المملكة المريضة، لابتزاز الحكم المركزي، من أجل موقع أو مصالح. كان التمرين مألوفا، وكان المتمرد فتانا في عين الحكم المركزي، وكان الفتان تبعا للموقع الجغرافي وللظرفية الدولية، يكتسب بالمشاغبة، دورا إزاء الدولة الوطنية ويعرض خدماته على الأطراف. تميز الأول عن الثاني بأنه تطلع إلى الملك. وتمكن من احتلال حيز ترابي، أولا حوالي منطقتي غياثة وتسول، ثم حوالي سلوان في تراب الريف الشرقي. وكون جيشا وشكل بلاطا وأصدر ظهائر ونصب حكاما ومنح بظهير مناجم حديد الريف للإسبان. وظهر لفرنسيي الجزائر، ولإسبان مليلية، أن يستعملوه لاستنزاف المخزن، وفي نفس الوقت أن يظهروا للمخزن أنهم يمكن أن يساعدوه ضد بوحمارة. كان «المجتمع الدولي» تارة مع المخزن وتارة مع بوحمارة. وكان الفتان، في ذلك السياق، يحيط نفسه ببطانة من المستفيدين من حركته، من أعيان القبائل، وكان يرفع شعارات متساوقة مع مشاغل الساعة. أحيانا استعمل بوحمارة غضب الجماهير من خضوع السلطان للأجانب. وحينما لا تصلح هذه الدعوى كان يحرك الاستياء من سن ضريبة الترتيب. وباستمرار كان الوضع المهترئ يعطيه ذرائع لتحريك السواكن، مغرب متخلف، ومهدد، ومضطرب سياسيا، وعرضة للأطماع الخارجية. أهلك بوحمارة ميزانية المخزن، الذي استدان من أجل مقاومة التمرد، ثم استدان من أجل أداء الديون. واغتنى رجال المخزن من وراء تمويل قمع تمرد بوحمارة. وتعرض المخزن لضعف أمام الضغوط الأجنبية، بسبب الهزائم التي كانت محلاته الواهنة تتجرعها على يد بوحمارة. وأخيرا سقط بوحمارة، على يد القبائل التي فهمت أن الأمر مدبر بليل. وسلمته القبائل للمخزن، انتصارا للمشروعية. ومثل البوليساريو اليوم سعى بوحمارة إلى الأجانب وسعوا إليه. وذات صباح كان مبعوث لقناصل الدول في طنجة ينقل إلى السلطان رغبة «المجتمع الدولي» في ألا يتم إعدام بوحمارة «رعاية لحقوق الإنسان». فصل من التاريخ عنوانه انتحال لمشروعية فاسدة، وتدخل أجنبي لاستنزاف المغرب، وفشل المخزن في اجتثاث الآفة، لولا يقظة الجماهير التي تحركت لإنهاء الخرافة.