قال عبد الله ساعف، مفكر وكاتب، إن تمثل المغرب وإسبانيا كل واحد منها للآخر يتم عبر فضاء ثقافي تفاعلي متعلق بعدة أشياء تتسرب إلى حياتنا اليومية، مضيفا أن أول بعد يرتكز عليه النقاش يكمن في التأثير المتبادل بين الطرفين، وهو ما يعد بعدا كلاسيكيا، لكنه مازال يشكل مجالا للبحث. وأوضح ساعف، خلال ندوة حول «أنظمة الحكامة: العولمة والتفاعل الثقافي، آفاق مغربية» المنعقدة بمقر المؤسسة الأوروبية العربية بغرناطة، أن الأحكام النمطية ليست شيئا جامدا، بل تخضع لجدلية التحول والمسار، مبرزا أن المحور الثاني يتعلق بالإشكالية السياسية المتعلقة بكيفية استقبال المغاربة للنموذج الديمقراطي الإسباني وتشكله في التصور المغربي، وكذا توظيف هذا النموذج من طرف المعارضة التي تردد دائما أنه، بجوار المغرب، يوجد النموذج الإسباني الذي تمكن من الانتقال من نظام سياسي إلى نظام آخر بشكل تدريجي، مشددا على أن تأثير نموذج نظام الحكم الذاتي الإسباني مطروح للنقاش بقوة في المغرب، مؤكدا أن الهجرة تمثل بدورها أحد الجوانب المتعلقة بتدبير أبعاد ومجالات التقارب والحدود. وقال ألفارو دي بسكونسيلو، مدير مركز الأمن للاتحاد الأوروبي بالبرتغال، إن النقاش حول العلاقات الأورومتوسطية بدأ قبل مسلسل برشلونة، أي في الثمانينيات من القرن الماضي، مضيفا أن الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران كان أول من بادر إلى إطلاق مسلسل التعاون مع الضفة الجنوبية المتوسطية، بشكل يجعله مرتكزا على محاربة الفقر وتقليص الهوة التي كانت موجودة بين الضفتين، والتي كان من ضمن نتائجها تعمق ظاهرة الهجرة التي يحاول السياسيون الأوروبيون الحد منها. وأوضح الخبير الأوروبي أن لظاهرة عدم التوافق، أيضا، أوجه ثقافية وحضارية تبرز الإسلام السياسي المتطرف وتعمل على تعميمه وعدم اعتباره مجرد تيار فقط داخل الإسلام، وهو ما نتج عنه اعتبار الإنسان المسلم حاملا لقيم لا يمكنها أن تتوافق مع الديمقراطية، مشيرا إلى أنه ولدت عدة مبادرات من أجل التخفيف من حدة اللاتوافق بين الحضارتين، مشيرا إلى أنه منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر بالولايات المتحدة سادت نظرية صاموئيل هنتينغتون حول صدام الحضارات التي باتت تشكل قاعدة التحليل للرجال السياسيين الديمقراطيين الذين لهم علاقات جيدة مع بلدان الجنوب، وتقوم تحليلاتهم على أن هناك مواجهة بين العالم المسيحي والديمقراطي والشرق الإسلامي الذي لم يقم بإصلاحات. وأكد الخبير الأوروبي أن اليمين المتطرف في أوروبا بات يقلب الأوجاع على الإسلام بشكل كبير، وهناك مد للأحزاب العنصرية التي تعود حاليا إلى أوروبا بشكل لافت، مشددا على ضرورة خلق حوار بين السياسيين والمبدعين والفنانين ومعالجة قضايا الهجرة بطريقة مختلفة بشكل يشبه ما سماه الفيلسوف جاك ديريدا بالكرم، بمعنى استقبال الآخر بصدر رحب. ومن جانبه، قال بيدرو كناليس، صحافي إسباني مهتم بالعالم العربي، إنه عندما يسأل الإسباني عن الصين يجيب بأنه لا يعرف شيئا، لكنه لا يمكن أن يعطي نفس الجواب عندما يسأل عن المغرب، مضيفا أنه اكتشف أنه ليس هناك فقط رأيا عاما واحدا إزاء المغرب، بل آراء مختلفة غالبيتها العامة تعاني من جهل كبير بالواقع المغربي وبتاريخ البلاد وواقعها الاقتصادي والثقافي والجغرافي، مضيفا أن وسائل الإعلام هي مسؤولة عن هذا الوضع بحكم أنها تصنع الرأي العام، لكونها تنشر أخبار قليلة وتعطي أحكام وشتائم أكثر من أخبار. وأبرز كناليس أنه في إسبانيا توجد رقابة حول المواضيع والأخبار المرتبطة بالمغرب، وتكمن في المصالح المتشابكة، وهو ما يقع في الحالة المغربية، مشيرا إلى أن بعض الإسبان مازالوا يعتقدون أن المغرب يصنف ضمن عالم غير ديمقراطي، وبالتالي فإن جميع قيمه السياسية هي غير صالحة وأصحاب هذا الرأي لم يقرؤوا الدستور المغربي ولا يعرفون أسماء الأحزاب السياسية والبنيات الترابية للبلاد التي تقوم عليها كل ديمقراطية، وهو ما يترتب عليه نوع من حالة التوتر والحذر، مضيفا أن هناك نوعا آخر من الناس الذي يعتبر أن المغرب هو بلاد ألف ليلة وليلة، وأنه لم يتغير منذ عهد المولى إسماعيل والملك لويس الرابع عشر. وشرح كناليس أن عدة جهات في إسبانيا تتحرك لدعم أنه لا يعرف شخصيا بلدية لا تقوم بدعم البوليساريو في ظل جهل كامل بواقع المغرب والصحراء، لأن فئة قليلة منها تعرف أين تقع مخيمات تندوف، مما يخلق أفكار مشوشة. ومن جانبه، أكد حسين مجدوبي، صحافي مغربي، إنه في حالة المغرب وإسبانيا تحولت عدة صور نمطية إلى محددات في نسج رؤية كل واحد منهما للآخر، أي صورة المورو والنصراني، المورو (المغربي) الذي يتجلى من خلال الصور النمطية التاريخية التي يتوفر عليها الشعب الإسباني والهواجس التي تملكه، مما جعل المورو يتحول، مع الوقت، إلى العدو الاقتصادي والثقافي، ولم يتحول إلى صديق لجزء من الإسبان إلا خلال الحرب الأهلية. وأكد مجدوبي أن الصحافة المغربية تقوم بدور سلبي في الترويج لصورة إسبانيا في المغرب، فبعض الصحف تهاجم اليمين وترفع من شأن اليسار، لكن بعد زيارة الملك خوان كارلوس وعقيلته لسبتة ومليلية صارت تعاملهما على قدم المساواة. وأشارت أفريقيا خيمينث رويث، باحثة في معهد البحوث الاجتماعية في قرطبة، إلى أنه، إلى حدود عام 2000، لم تكن الأزمة بين المجتمعين الإسباني والمغربي، حول اختلاف العادات والتقاليد بين المغربي والإسباني، تقع بدون استحضار الإسلام، بيد أن أحداث 11 شتنبر جعلت النقاش ينصب حول إدماج المهاجرين، وباتت تمثل المركز الأساسي للنقاشات.