أعترف أن رأسي الحربة في تسيير الجلدة اللعينة «يعشعشان» داخل «مخيخي» منذ فترة دون أداء واجب الكراء، فكان من الطبيعي جدا أن أتذكرهما حين سقطت بين يدي وبالصُّدفة صورة لشعار وعلم الإتحاد السوفياتي سابقا... أتذكورنه؟!! رأيت في المطرقة الباطرون الكبير لما ترمز إليه المطرقة من قوة وبأس شديد، وحين نقول عن فلان إنه مطرقة، فمعناه أنه يعرف كيف يُطرق أموره. و(الباطرون المطرقة) ينزل كما تنزل مطرقة القاضي على الطاولة لتخبر الجميع بإنهاء اللغو، أما المنجل أحد أدوات الحصاد فهو أنجح آلية لل«الحشان» وحين نشبه شخصا بالمنجل فإن هذا معناه أنه على قدر كبير من «تاحراميات»، وهذه النعوت تطابق «الدوزيام باطرون».. نحن المغاربة عندما نحب شيئا نحبه من أعماقنا، وعندما نكره نكره من أعماق أعماقنا، نعيش انفعالاتنا بقوة تسيرنا عاطفتنا، سهل جدا أن نتذكر وأسهل منه أن ننسى، مرات تحملنا سمات الحب فنتفوق على قيس وروميو، ومرات أخرى تطير بنا زوابع الكراهية فنبدوا كما لو كنا مصابين بداء سعار الكلاب. وعلى ذكر الكلاب فلقد وصلني أن تلك الدار التي «تجمع وتطوي» مع كرتنا قد صرحت وعلقت على لسان شيطانها الرجيم (تعقيبا على كل هذا الاحتقان الشعبي والكم الهائل من الانتقادات المتطايرة) وبلهجة موليير ذلك المثل المعروف الذي يتحدث عن القافلة التي تسير والكلاب التي تنبح، ولأن «قشابة» أصحاب حالنا واسعة فإني أبلغهم بأن قافلتهم تسير بالفعل لكن باتجاه الهاوية، فعلى دربهم ذقنا من النكبات أشكالا وألوانا، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإني لا أحتاج إلى أن أنتقد الكلاب المعروفة بوفائها كثيرا فهي عادة تنبح على اللصوص والمجرمين لتلفت أشباه «مالين الدوار»، وثالثا لو سألت كل المعارضين لفضلوا على أن ينعتوا بالكلاب بدل أن يكونوا قططا كتلك القطط الأليفة التي تحيط بموائدكم، والتي لا تتوقف عن ترديد «مْياَوْمينْ... مياومين» على وزن آمين.. وإذا كان لابد أن نلعب تنس الطاولة بالأمثال والحكم ردا على مثل «القافلة والكلاب» فإن الحكمة التي تقول (عند الامتحان يعز المرء أو يُهان) ستفي بالغرض (وريونا شي نهار نجحتو فيه) وربما ستفي بالغرض أكثر تلك العبارة والمقولة التي تتحدث عن (المال السائب يعلم الناس الحرام). ونعرف جيدا أن المنجل ورفيقه المطرقة تعودا على نُباحها وأن هذا الأمر لا يخيفهما ولا يزعجهما، يعرفان أنه وبعد كل نكسة تتوتر الأمور (نقيشة من الزمن) وبعدها تنقشع الحملة وتخفت أضواء الاعتراض وينزل تدريجيا ستارة التصعيد تتعب الحناجر الساخطة وينقطع مداه الغضب وتعود الأمور إلى حالها، فالعمر الافتراضي للأزمات في بلدي يؤكد على أن القضايا تولد وتحرك جنبات المغرب بأسره في أسبوعها الأول لتتضخم وتأخذ أبعادا قوية خلال الأسبوع الثاني لتنزل وتيرتها في الأسبوع الثالث، تم يشحب لونها في أسبوعها الرابع قبل أن تحتضر وتموت مع نهاية الشهر. صراحة أنا لم أتعب بعد من النباح، أخاف فقط أن يمل القارئ من سماع نباحي أو أن يقول أحدهم هل رأسي الحربة (المطرقة والسندان) هما الوحيدان في هذا الكون وفي خريطة هذا البلد الطويل العريض اللذان بإمكانهما تحريك أمور «البالون ديال هاذ البلاد»؟!. أليس في مدن وحواضر، جبال وسفوح تلال وهضاب هذا البلد، أليس بين عروبيته وشلوحه فاسييه وصحراوييه ومهاجريه وجوها أخرى قادرة على تحمل دفة «وشراجم» التسيير؟!!. بعد كل الذي عشته، عاينته وعانيت منه في أجواء كرتنا المتعفنة أقول للمطرقة والمنجل ولكل أدوات الحصاد و«الدريس» الأخرى بنبحة خاصة جدا. أنتم لا تستحقون النباح إنكم والله تستحقون «العضان»! * إطار وطني