ناقش قضاة، يمثلون 28 دولة تشارك في المؤتمر الثالث عشر للمجموعة الإفريقية للقضاة الذي تحتضنه البيضاء ما بين 27 و31 مارس الجاري، قضايا تهم «الأمن القضائي» في دول تنتمي إلى أربع قارات، مستعرضين تجارب بلدانهم في مؤتمر تنظمه الودادية الحسنية للقضاة في المغرب وتحضره شخصيات قضائية وازنة في العالم ضمنها مايا تراتنيك، رئيسة الاتحاد الدولي للقضاة. ومن المتوقع أن تختتم فعاليات المؤتمر اليوم الإثنين ب«إعلان الدارالبيضاء»، الوثيقة التي أعدتها الودادية الحسنية للقضاة حول «الأمن القضائي في إفريقيا»، بعد توقيع الودادية اتفاقيات تعاون شراكة مع جمعية القضاة والمحامين الأمريكيين وجمعية القضاة والوكلاء الهولنديين ومع أحد مكاتب الهندسة المعمارية لدراسة وإنجاز تصاميم منشأة الودادية عبر المملكة. وتحدث المشاركون في ورشة نظمت صباح أول أمس السبت بأحد فنادق الدارالبيضاء، عن التجربة القضائية في بلدان الجزائر وتونس والمغرب والطوغو والكوت ديفوار، مستعرضين مسار القضاء في بلدان تطمح إلى أن يكون القضاء فيها محط احترام كل شخص، طبيعيا كان أو معنويا، ليثق في المؤسسة القضائية وفي أحكامها.وأكد موسى بوصوف، عضو المكتب الوطني التنفيذي لنقابة القضاة الجزائريين المكلف بالعلاقات الخارجية، أن بلده يعاني نقصا حادا في عدد القضاة. وفي رأي بوصوف، فإن التدابير المتخذة لإصلاح القضاء في الجزائر منذ سنة 2004 - الرامية إلى توظيف وتكوين 1500 قاضي في أفق 2009، سيلتحقون ب3000 قاض الموجودين حاليا- لا ترقى إلى تطلعات العدالة الجزائرية التي هي في حاجة إلى وجود 5000 قاض حاليا لسد الخصاص المسجل في المحاكم الجزائرية. واستعرض بوصوف قضايا لا تخلو من طرافة تتعلق ب«الأمن القضائي» في بلد المليون شهيد، وروى واقعة حقيقية عاشتها محكمة جزائرية، بطلتها هيئة حكم أصدرت حكما بعشرين سنة سجنا نافذا في حق لص من ذوي السوابق العدلية، ضبط وهو يهم بسرقة هاتف نقال. وذكر عضو المكتب التنفيذي الوطني لنقابة القضاة الجزائريين كيف أن القضاء الجزائري يستهدف بدوره الصحافيين من خلال ولاة المدن، وقال: «في الجزائر يمكن أن نعذر صحافيين أعادوا نشر الصور المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالمقابل يمكن أن نسجنهم من أجل «بيان حقيقة» على شكل تكذيب صادر عن أصغر وال في ولايات الجزائر». وربط عضو نقابة القضاة الجزائريين بين استقلالية القضاء وتحقيق العدالة، مشددا على وجود مظاهر تأثير على سلطة القضاء يمكن أن تمارسه لوبيات ضعط، سياسية أو اقتصادية أو إعلامية. وذكر بوصوف كيف أن وسائل الإعلام في بريطانيا ألبت هيئة قضائية تنتمي إلى «قضاء عريق» لتصدر حكما سنة 1968 بالسجن مدى الحياة في حق الطفلة ماري بيل التي لا يتعدى عمرها11 ربيعا، توبعت قضائيا بالتسبب في مقتل طفلين آخرين، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام البريطانية صورت ماري ك«مسخ» تملؤه الكراهية، استنادا إلى وضعها الاجتماعي، فهي ابنة عاهرة مدمنة على شرب الكحول تمتهن بيع جسدها في الأرصفة وأب مجهول، ضيفا أن العدالة أحيانا تصدر أحكام طائشة. من جانبه، أشار جلال الطاهر، كاتب عام مجلس هيئة المحامين في الدارالبيضاء، إلى أن الأحكام القضائية تبقى مجرد أحكام، ما لم تقترن بآلية التنفيذ. وأضاف «السؤال المفارقة هو إذا كانت الدولة تدعو وتزعم أن العدل أولوية من أولوياتها، لأنه أساس الملك والحكم الصالح، فيما المجتمع بمعناه الواسع يطلب ويلح في تحقيق العدل المنشود ويشتكي وينتقد باستمرار عن طريق وسائل التعبير المختلفة، وفي مقدمتها الإعلام، جوانب القصور والخلل والضعف والبطء في العمل القضائي». وذكر الكاتب العام لمجلس هيئة المحامين في الدارالبيضاء بعض مميزات القضاء في المغرب مشيرا إلى وجود متقاضين يعتقدون ب«وجود إمكانية أخرى للوصول إلى استصدار الأحكام حسب الهوى، بواسطة آلية الوساطة، إن بالمثال أو النفوذ، ولهذا الوهم أو الاعتقاد أسباب سياسية واجتماعية ومظاهر وحقائق، أحيانا داخل العدالة، تعززه وتقويه، فيسري مفعوله في المجتمع ويصبح اقتناعا وثقة سائدة يرثها الخلف عن السلف».