رغم انشغال أغلب الفرق الوطنية بجمع النقط البيضاء للأيام السوداء، وتأهبها للأمتار الأخيرة من سباق السرعة النهائية، فإن ثلة من المسيرين شعروا بالاختناق داخل إطار الجمعيات الرياضية الهاوية، ونادوا باستبدالها بمقاولات تلغي مفهوم تنشيط الدورة الدموية للبطولة وتؤسس لنظام مقاولاتي جديد يسعى لربح المال بدل جمع نقط سرعان ما تتبخر في السماء. أثار حسن البرنوسي مدير الاستثمارات الخارجية ونائب رئيس الوداد موضوع التحول إلى مقاولة في برنامج مستودع الذي تبثه قناة «الرياضية»، وأكد أن التأهيل الحقيقي يكمن في استبدال الجمعية بالشركة وإنهاء عهد الركض خلف النتائج الزائفة، لكن الرجل اختار التحدث عن فرع كرة القدم دون سواه من الفروع التي تشكل أسرة الوداد، وطالب بتفويت ملعب محمد بنجلون للفريق، وراهن على نظام بديل دون وجود أسس قانونية تؤمن الانتقال شرعا من وضعية الجمعية إلى نظام المقاولة. كان البرنوسي، الذي لا ينكر عشقه للوداد إلا جاحد، يمني النفس بوداد يحكمها باطرون بدل مكتب مسير، ولكن قائد ثورة الوداد وضع عن غير قصد المحراث قبل البعير، وأصر على بناء صرح شركة دون الحاجة إلى أسس قانونية، فقط لأنه يتأبط مشروعا كان امحمد الزغاري قد وضعه على طاولة الوداد قبل خمس سنوات، ولأن محمد الماجدي يسعى إلى تغيير ملامح فتح تسربت إليه التجاعيد والدعوة إلى فتح قريب ينهي التعامل بنظام المنخرطين وهاجس التهافت على النقط. خلال الاجتماع التواصلي الذي نظمه مكتب المجموعة الوطنية طالب كريم فتح أمين مال الوداد باستبدال الجمعيات بشركات، ودعا إلى فتح أوراش التغيير بعد أن شعر بالاختناق داخل منظومة تتحكم فيها نتائج الفريق الأول، لكن تبين أن الرؤساء في واد والوداد في واد آخر لأن هاجس الصدقة كان مسيطرا على أشغال الاجتماع، ولا أحد كان مستعدا لعقد جمع عام استثنائي يغير الوضع الراهن ويبشر بعهد جديد. أما جواد الزيات نائب رئيس الرجاء فأعلن براءته من نظام الشركة، وقال في برنامج مستودع إن النادي ألغى الفكرة وقرر تمديد صلاحية الجمعية لأن فيها منافع شتى، جواد الذي لا يعرف العدد الحقيقي لمنخرطي الرجاء حين قال إن العدد يتراوح ما بين 300 و400 وأن المناخ الحالي لا يساعد على التحول من ضفة إلى أخرى سارع إلى إعلان براءته من الشركة وتمسكه بالإطار الجمعوي الذي يمنح ضمنيا حق المنفعة العامة. كان على الزيات أن يقول بأن الانتقال مستحيل لعدم وجود جسر للعبور من الهواية إلى المقاولة، وأن حلم الشركة لن يتحقق إلا إذا صدرت تشريعات عبر الأمانة العامة للحكومة تصبح معها الفرق مقاولات تابعة لوزارة الصناعة والتجارة بدل وصاية الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ومشتقاتها. لنفرض جدلا أن الأمانة العامة للحكومة هيأت الأرضية القانونية وأن الفرق غيرت الأسماء القديمة، وفوق مقرات الأندية علقت يافطات من قبيل شركة الوداد للأنشطة الرياضية، والشركة البيضاوية الرجاوية للخدمات الكروية، والشركة الشريفة للكرة الخريبكية، والشركة السلاوية وغيرها من الأسماء الدخيلة على الكرة، بل إن الرئيس سيتحول بقدرة قادر إلى باطرون والعميد إلى مندوب عمال، وستتناسل النقابات وتنظم وقفات احتجاجية بين الفينة والأخرى، بل إن الشركة ستصبح مطالبة بتسديد ضرائب للدولة وسن نظام للتغطية الاجتماعية والانخراط في صناديق الاحتياط الاجتماعي وغيرها من الالتزامات. ولأن القطاع الرياضي غير مهيكل فإن جميع الأطراف المعنية في حاجة إلى فترة طويلة من الإحماء للدخول إلى مباراة التغيير دون أن يصاب أعضاؤها بتشنج عضلي، وهو ما يتطلب تشبعا بالفكر المقاولاتي ورغبة في القطيعة مع الماضي، حينها سيشارك لاعبو النوادي في احتفالات فاتح ماي وسيلقي عمداؤها خطبا عصماء في منصات الغضب، وسيصبح بإمكان الشركات الجديدة أن تصنع اللاعبين وتقيم بالملعب مصنعا للكرات والألبسة في إطار اكتفاء ذاتي يمليه التحول من فرق مجهولة الهوية إلى مقاولات مجهولة الإسم، لكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.