تقرير جمعية حقوق الإنسان يفتح جرحا غائرا.. مئات المغاربة والأفارقة المهاجرين إلى الضفة الأخرى ينتهي بهم مصيرهم في جوف الأسماك أو مجرد رقم في «قبور مجهولين» في طريفة وقادس.. بينما عيون الإسبان مهتمة بالإعدادات الجارية لإعلان حكومة ثباتيرو الثانية. بات الصيادون الإسبان يخشون الخروج إلى الصيد في مياه مضيق جبل طارق، لأنهم أصبحوا يتخوفون من اصطياد جثث المغاربة عوض الأسماك، فمنذ أزيد من عشرين عاما امتلأت بطون أسماك مضيق جبل طارق بأجساد مشاريع المهاجرين المغاربة الذين يقدمون أنفسهم قرابين لأمواج المتوسط كل يوم من أجل معانقة الضفة الشمالية للمضيق، وتجد السلطات القنصلية نفسها في حرج كبير من أجل إعادة الجثث التي يتقيؤها البحر بعد أيام من غرقها. مثلما تستغل وسائل الإعلام الإسبانية صور الجثث للتنكيل بالمغرب الذي يموت مواطنوه هربا من الفقر والأزمة الاقتصادية الخانقة. قبور مجهولين وبعدما تنتهي أمواج البحر من تقاذف أجساد المغاربة بشكل محزن يبدأ تقاذف من نوع آخر بين السلطات القنصلية المغربية والسلطات الإسبانية التي انتشلتها من أجل إعادتها للدفن في المغرب، فهذه الأجساد الميتة التي عانت كثيرا في حياتها تتعرض للمهانة بعد بموتها بطريقة مؤلمة، وبما أن هذه الجثث يلفظها البحر وقد محا جميع معالمها، فإن التعرف عليها يكون صعبا جدا، مما يجعل مدنا، مثل طريفة وقادس تشهد تكاثر مقابر المغاربة المجهولين الذين يدفنون ويتحولون إلى مجرد أرقام، إنها أرقام تدل على حالمين قدامى، أرادوا أن يرقصوا فوق أرض أحلامهم والعيش تحت سمائها، وتحقق جزء من أحلامهم، فعانقوا تراب تلك الأرض فعلا، لكن إلى الأبد. وتحت ضغط عائلات الضحايا والصحف المغربية التي باتت تواكب مآسي قوارب الموت بمختلف تفاصليها، لم يعد يبقى أمام المصالح القنصلية المغربية في الجزيرة الخضراء لإعادة الجثث للدفن في المقابر المغربية غير إجراء تحليلات الحمض النووي التي تعد عملية معقدة تحتاج إلى كثير من الوقت، إنه الوقت الذي تتعاظم فيه حرقة الأهالي الراغبين في معرفة قبر ابنهم ليترحموا عليه ويذرفوا دموع ندم ساخنة. وحسب تقرير مفصل لجمعية حقوق الإنسان بالأندلس، صدر قبل أيام، فقد بلغ عدد ضحايا الهجرة السرية ضمن ظاهرة قوارب الموت للوصول إلى الشواطئ الإسبانية خلال سنة 2007 حوالي 921 جثة، وهو ما يشكل، حسب التقرير، فعلا تراجعا، بيد أنه التراجع الذي يخفى تضخم المأساة. وشمل الإحصاء سواحل مضيق جبل طارق، وكذلك سواحل إفريقيا الغربية نحو جزر الخالدات في المحيط الأطلسي وشواطئ الدول المصدرة للهجرة، وبالخصوص الشواطئ المغربية الشمالية والجنوبية وشواطئ السنغال وموريتانيا، في حين لم يتم احتساب شواطئ الجزائر بسبب غياب المعطيات. ويذكر التقرير أن 629 مهاجرا من الضحايا ينتمون إلى دول إفريقيا الغربية و287 إلى دول المغرب العربي، في حين أن 5 هم من دول آسيوية، مثل باكستان وبنغلادشن، كما يشرح بالملموس أن عدد المهاجرين الذين فقدوا في البحر مرتفع للغاية ويتجاوز عدد الجثث التي جرى انتشالها، فالنزيف البشري لم يتوقف نهائيا. ويوضح التقرير أنه خلال الشهور الأولى من العام الجاري توفي في البحر 89 مهاجرا سريا ستة منهم في شواطئ أرخبيل الكناري ومهاجر في سبتة وآخر في الجزائر و68 في المسافة البحرية بين الأقاليم الجنوبية المغربية والأرخبيل الإسباني، مقابل انتشال 12 جثة فقط في نفس الفترة من العام الماضي، فيما وصل إلى الشواطئ الإسبانية في نفس الفترة 2098 مهاجرا سريا( 624 وصلوا إلى الشواطئ الأندلسية و43 إلى جزر البليار و113 إلى مورسية و1316 إلى جزر الخالدات). واستنتج التقرير أنه انطلاقا من الأرقام التي تم تسجيلها في بداية العام الجاري، لا يمكن استبعاد العودة إلى المقامرة بأرواح المهاجرين السريين في مضيق جبل طارق مرة أخرى بحكم المخاطر المتعددة للطرق الأخرى وطول المسافة، مما يكلف حتى مافيا التهجير السري مصاريف زائدة ويقلص من أرباحها في تجارة البشر. ويضيف أن كل هذه الخسائر في الأرواح لم تحرك الحكومة الإسبانية والاتحاد الأوربي، بالشكل المطلوب، لأنها تعتبرها خسائر جانبية ناتجة عن سياسة تشديد المراقبة على شواطئها، كما أنها مازالت جاهلة بالأسباب العميقة لظاهرة الهجرة غير الشرعية رغم كل الخطابات والنوايا المعلنة. حكومة الاستمرارية بدأت معالم الحكومة الجديدة لثباتيرو تلوح في الأفق بعد عشرين يوما من فوزه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بيد أن رئيس الوزراء الإسباني الشاب بات منشغلا أكثر هذه الأيام بتشكيل الفريق النيابي الاشتراكي في الغرف النيابية التي سيعلن عنها يوم فاتح أبريل المقبل والتي سيصبح رسميا بعدها رئيسا للوزراء لولاية ثانية بعدما ابتعدت عنه لعنة قطارات الضواحي، فأن يكون رئيسا معادا انتخابه هذا يعني أنه اكتسب قوة شعبية في وجه خصومه اليمينيين الذين طالما ربطوا فوزه في انتخابات عام 2004 بتفجيرات مدريد. بدأت بعض ملامح الحكومة الجديدة تتوضح وسيعلن عن تشكيلها يوم ثامن أبريل المقبل، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة المحامي الشاب ثباتيرو الذي يواجه مارثونا صعبا عمره أربع سنوات تحسب له فيها جميع عثراته وأخطائه التي وعد في الدقائق الأولى لفوزه بتصحيحها وتجاوزها. وخلال الأيام الماضية، أجرى الحزب الاشتراكي الاسباني، الفائز في الانتخابات النيابية الأخيرة، مشاروات مع حزبي اليسار الموحد والحزب الوطني الباسكي من أجل تدارس نقاط التلاقي بين هذه الأحزاب في أفق تشكيل الحكومة الاشتراكية بقيادة ثباتيرو. ويبحث الاشتراكيون الإسبان من خلال هذه المشاورات عن تحالفات تمكنهم من ضمان الاستقرار السياسي لحكومتهم خلال الأربع سنوات المقبلة لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد الإسباني ومواجهة الخطر المتنامي لمنظمة إيتا المطالبة بانفصال إقليم الباسك. وتسربت أنباء عن استمرار عدة وجوه سياسية لعبت أدوارا أساسية في الحكومة الاشتراكية السابقة، على رأسها ماريا تيريزا دي لافيغا نائبة رئيس الوزراء، وميغيل أنخيل موراتينوس وزير الخارجية، الذي كانت أنباء تحدثت عن مغادرته للحكومة في وقت سابق بسبب الإرهاق الذي عانى منه خلال الولاية السابقة. وينتظر أن تلتحق بحكومة ثباتيرو وجوه وزارية جديدة مثل لوبيث كاريدو الذي سيشغل منصب كاتب الدولة (وزير الدولة) مكلف بالعلاقات مع الاتحاد الأوربي في أفق التحضير لرئاسة اسبانيا لهذه المؤسسة عام 2010. وسيتحمل خوسي أنطونيو ألونسو، وزير الدفاع السابق، مهمة الناطق الرسمي باسم الفريق الاشتراكي في البرلمان الذي سيواجه ولاية أقل صعوبة من الولاية السابقة بحكم تحرره من ضغط التحالفات الكثيرة التي أجراها مع الأحزاب الصغيرة في البرلمان سابقا. دي لافيغا... المرأة الحديدية لكل نظام سياسي امرأة حديدية، قد تكون ظاهرة لعدسات المصورين أو متوارية في الظل، تحمل ثقل أسرار نظام بكامله، وماريا تيريزا دي لافيغا امرأة الاشتراكيين الحديدية التي ورثها ثباتيرو عن حقبة فيليبي غونزاليث، إنها امرأة نحيفة مثل حد السكين، بيد أنها تعلمت داخل مدرسة السياسة الإسبانية أن تنافس الصلصال في صلابته والصقر في حدة رؤيته، ستشغل هذه المرأة مرة أخرى منصب نائبة رئيس الحكومة الإسبانية رغم أن عدة أصوات داخل الحزب الاشتراكي الإسباني تدعو إلى تخفيف المهام على دي لافيغا في أفق تشكيل الحكومة الجديدة، فبعض الاشتراكيين يرون حاليا أنه بات من الضروري الفصل بين منصب نائب رئيس الوزراء والناطق الرسمي باسم الحكومة الذي يجب أن يتكلف به ثباتيرو شخصيا أو الناطق الرسمي باسم الفريق الاشتراكي، لأن انشغال دي لافيغا بهذه المهمة جعلها غائبة في عدة محطات مهمة كانت ستكون فيها مفيدة إبان المعارك السياسية التي قادها الاشتراكيون ضد منافسيهم اليمينيين المتحالفين مع الكنسية التي تعد حزبا سريا قويا في إسبانيا إلى جانب جنرالات الجيش. وبما أن منظمة إيتا الباسكية لم تترك خيارا آخر لثباتيرو عندما قامت بتفجير «تيرمينال تي كواترو» في مطار مدريد باراخاس، فإن ولايته المقبلة ستشهد حربا بلا هوادة على هذه المنظمة التي تهدد حياة المواطنين والمسؤولين السياسيين الإسبان يوميا، لذلك لم يتردد ثباتيرو خلال حديثه عن المسؤولين السياسيين الاشتراكيين الذين يجرون مفاوضات مع مختلف الأحزاب السياسية الصغيرة في أفق تشكيل تحالف قوي يعزز إقدام ثباتيرو خلال الأربع سنوات المقبلة، (لم يتردد) في التركيز على ضرورة التعاقد من أجل مواجهة خطر الإرهاب بقوله: «إن إسبانيا في حاجة إلى تعاقدات ويجب أن ننجح في تحقيقها خلال الأربع سنوات المقبلة»، مشددا على أن الاشتراكيين يمثلون الأغلبية السياسية لذلك يجب عليهم تشجيع الحوار، وطالب بتفهم مطلق خلال الحرب التي ستقاد ضد منظمة إيتا الباسكية خلال الولاية المقبلة. وترك ثباتيرو الباب مفتوحا عندما أكد بخصوص مسألة مراجعة نظام الحكم الذاتي المعمول به منذ ثلاثة عقود تحت ضغط المطالب القومية لكاتلونيا وغاليسا خصوصا، أن اسبانيا متعددة، لكن بمشروع موحد. ومن جانب آخر، يبدو أن محاولة ثباتيرو الدفع بأحد المقربين منه، خوسي بونو، للظفر برئاسة مجلس النواب الإسباني يلاقي عدة صعوبات بعد إعلان أحزاب صغرى، معروفة بدعمها للحزب الاشتراكي العمالي معارضتها لترشيح بونو، وأهمها حزب اليسار الموحد الذي أعلن صراحة أنه لا يمكن أن يدعم شخصا كانت مواقفه متذبذبة في أوقات حرجة، بل ومتطابقة مع مواقف اليمين الإسباني في عدة محطات رغم وجوده في الضفة الأخرى.