من يرى مدينة السعيدية اليوم، التي تحولت إلى أوراش مفتوحة يقول المسؤولون إنها ستنتهي في يوليوز المقبل لتصبح جديرة بلقب الجوهرة الزرقاء الذي اختير لها، لا بد أن يتذكر ما حصل في وادي العيون. فالمناطق الخضراء المحيطة بالمدينة، والتي جعلت منها لؤلؤة براقة في صدر حسناء من العصر الإليزابيثي، تتداعى تحت جرافات شركة فاديسا الإسبانية التي تسعى إلى تحويل المنطقة إلى أكبر منتجع سياحي في المغرب، من شأنه أن يجلب آلاف السائحين في أفق عام 2010، في إطار سياسة المغرب لجذب عشرة ملايين سائح، الأمر الذي أصبح ينذر بكارثة بيئية بدأ المعنيون يدقون ناقوسها منذ وقت مبكر. وهناك أكثر من شبه بين السعيدية ووادي العيون كما صورها الراحل عبد الرحمان منيف في خماسيته الروائية «مدن الملح»، وهو يروي ما صنعته شركات النفط البريطانية بالمملكة العربية السعودية في ثلاثينيات القرن الماضي، أهمها أن الشركة أجنبية وأن سكان المنطقة يراقبون الوضع ولا يكادون يعرفون ما يجري، ويتمثل الفرق في الصحراء التي كانت هناك في الماضي والغابات التي هنا اليوم. جمال البحر وزرقة الأمواج يضفيان على المدينة رداء سحريا في ساعة المغيب، لكن الصمت يظل القاسم المشترك بين جميع أوقات اليوم، لأن المدينة خالية من الغرباء في فصل الشتاء، إلا أنها تتحول إلى قبلة لآلاف المصطافين من المغاربة والأجانب في موسم الصيف، حيث لا يمكنك أن تجد لك مكانا وسط الجموع في مدينة صغيرة تشبه بوابة كبيرة تطل منها على المتوسط. وربما كان بحر السعيدية هو الوحيد الذي يصبح فيه المغاربة والجزائريون أشقاء بالفعل، كما دأبت الخطابات الرسمية في بلدان المغرب العربي على القول منذ نحو عشرين عاما، فيما تزداد الفجوة اتساعا بين الجميع. إذ يمكن للمغاربة أن يسبحوا في المياه الجزائرية وللجزائريين أن يسبحوا في المياه المغربية. يلتقي الشعبان في الماء ويتصافحان ثم يعود كل واحد أدراجه، خلف حدود مرسومة بين البلدين بسلك واحد يتجاور قربه العلمان الوطنيان للدولتين. ورغم ضخامة المشروع السياحي المقام على بعد خمسة كيلومترات من المدينة، والذي تنجزه الشركة الإسبانية فاديسا، فإن سكان السعيدية غير راضين عن الوضع الذي تعيشه مدينتهم الساحرة، التي كانت في الماضي قلعة من قلاع التصدي للبواخر الحربية الأوروبية، وأطلق عليها اسم قلعة عجرود في العهد الروماني قبل أن تحمل اسمها الحالي. إنهم يخشون أن تغطي المشروعات السياحية للشركة الإسبانية على قيمتها التاريخية والطبيعية، ولذا يقول الكثيرون إن الملك محمد السادس هو الذي أنقذ المدينة من الضياع بعدما أقام بها لبضعة أيام رفقة الأميرة للاسلمى، ومنذ ذلك الوقت تحولت المدينة إلى أوراش مفتوحة ليل نهار، لتكون جاهزة في حلة جديدة مع الموسم السياحي المقبل. كل شيء يعاد ترميمه، إلا أن قلعتها الشهيرة لاتزال تحارب النسيان وتغوص في الإهمال، وتحولت إلى مجرد محطة لسيارات الأجرة الكبيرة.