جل من يكتبون عن الفرنكوفونية في المغرب، مناهضين لسيطرة الفرنسية وهيمنتها في البلاد، يستهلون ما يكتبونه بإبعاد تهمة مهاجمة الفرنسية، ويسارعون إلى التوضيح بأنهم لا يهاجمون العلم والتكنولوجيا الفرنسيين، ولا الحضارة، ولا حقوق الإنسان، وأنهم قرؤوا الأدب الفرنسي وأحبوه، بل نجد من يحاول قبل هذا وذاك، أن يبعد عنه تهمة الجهل باللغة الفرنسية، حتى لا يقال عنه إنه عدو ما يجهله. وفي مقابل هذا، تنتج مواقف بعض الفرنكوفونيين من اللغة العربية عن جهلهم بها؛ إنهم لا يعرفونها ولا يقرؤون بها، ويعتبرون أن ما يكتب بها متخلف ولا يستحق القراءة، بل إن منهم من إذا درس ظاهرة أو تحدث عن أي موضوع ادعى السبق فيه لما كتب بالفرنسية، ولا يعطي أي اعتبار لما يكتب بالعربية. ينسبون أصل كل شيء إلى اللغة الفرنسية، مثل الفرنسيين. وعندما يتحدثون عما يكتب في المغرب، لا يتحدثون إلا عن الطاهر بنجلون ومحمد شكري بعد ترجمته إلى الفرنسية... ولربما لهذا السبب يبحث بعض الكتاب المغاربة الذين يكتبون بالعربية عمن يترجمهم إلى الفرنسية علهم يشتهرون شهرة هذه النجوم الفرنكوفونية اللامعة. عندما يكتب أحدهم أي شيء بالفرنسية يجد دار النشر في انتظاره، ودار النشر تجد مصلحة الكتاب بالسفارة الفرنسية في انتظارها. وعندما يصدر الكتاب يدعى صاحبه إلى البرامج التلفزية مدججا بما تيسر من «النقاد»، وإلى المراكز الثقافية الفرنسية، بل إلى فرنسا ذاتها. والحال أن هناك المئات، بل الآلاف من الكتاب المغاربة، أغلبهم شباب، يكتبون باللغة العربية ولا أحد ينتبه إليهم ولا إلى ما يكتبون، لا يجدون من ينشر كتاباتهم، وحتى إذا نشرت لا يجدون من يدعوهم إلى البرامج الإذاعية والتلفزية ومن يرافق عملهم. هذا وضع طبقي. هناك إهمال ميزي سببه اللغة. وهذا الإهمال الميزي يدفع إلى الكتابة بالفرنسية وهجر العربية. هذا الميز لا تدعمه فرنسا ومؤسساتها الثقافية فحسب، بل يدعمه المغرب الرسمي. فرنسا ترصد الإمكانات لدعم لغتها وثقافتها، والمغرب يساعد فرنسا ويساندها. لننظر إلى ما تقترفه وزارة الثقافة في معرض الكتاب. الغاية الرسمية من هذا المعرض السنوي إبراز المنتوج المحلي وتشجيع النشر، وفسح المجال للقاء بين المتدخلين في الكتاب، وترويج الإصدارات، ودعم القراءة، والتقاء الجمهور بالمثقفين والمبدعين...إلخ. غير أن من مميزات معرض الكتاب، في سائر دوراته، أن برنامجه الثقافي «يحتفي» بشكل سريالي بالثقافة الفرنكوفونية التي يصر «مسؤولونا» المبجلون عنوة على اعتبارها مكونا رئيسا من مكونات الثقافة المغربية. ويظهر هذا «الاحتفاء» في برنامج الأنشطة الثقافية للمعرض، بل إن بعض الأنشطة صارت ركنا ثابتا في كل دورة من دورات هذا المعرض، نظرا إلى علاقتها بالفرنكوفونية، ونظرا إلى كون المنظمين لا يرون غيرها، ومن ذلك: الأدب «المغربي» المكتوب بالفرنسية. أنظر إلى البرامج الثقافية للمعرض. قارن، مثلا، بين برامج دورات هذا العرض: ستجد الكثير من الأنشطة الفرنكوفونية التي تعاد في كل دورة. نقرأ، مثلا، في برنامج الدورة الثالثة عشرة ندوة حول «الأدب المغربي الجديد المكتوب باللغة الفرنسية»، ونقرأ في برنامج الدورة الرابعة عشرة ندوة حول «الكتابة بالفرنسية، الجيل الجديد»، إضافة إلى مائدة مستديرة حول: «راهن الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية». وفي الدورة الثالثة عشرة ندوة حول «الفرنكوفونية بصيغة الجمع»، وفي الدورة الرابعة عشرة مائدة مستديرة حول «الأوضاع الراهنة للفرنكفونية»...إلخ...إلخ. أما ما يقابل هذه الندوات في الجانب العربي فما هو إلا ذر رماد في العيون. والحق أن المسؤولين عن هذا البرنامج «الثقافي» يستغلون المعرض، عبر جهاز التحكم عن بعد الذي تمسك به سفارة فرنسا، ليجربوا إلى أي مدى «صعد» النجم الفرنكوفوني في سماء الإنتاج الثقافي بالمغرب. قارن، إذن، بين مسار الكاتب المغربي الفرنكوفوني، الذي ترعاه المؤسسات الفرنكوفونية، بما فيها الإعلام المغربي الفرنكوفوني، ومعرض الكتاب، ودور النشر...، وبين مسار الكاتب المغربي الذي يكتب باللغة العربية، والذي إن اقتحم العقبة، وحظي بالنشر وجد برودة القبو في انتظار كتابه؛ وهكذا يتم إسدال ستار «مسرحية» النشر.. هذا هو الإقصاء.