يبدو الملك محمد السادس وكأنه يفرغ مدينتي سبتة ومليلية من أهميتهما الاستراتيجية وفق خطة بعيدة الأمد، بتدشينه قاعدة بحرية تعد أول ميناء لرسو سفن البحرية الملكية المكلفة بحماية الساحل الشمالي. وتأتي هذه الخطوة بعد إقدامه على إنشاء مشروع ميناء طنجة المتوسطي الذي يضع حدا للهيمنة الاقتصادية لمدينة سبتة في الشمال المغربي الذي كان سكانه يعيشون من عائدات المواد المهربة وتحويلات أبنائهم المهاجرين، كما أن الميناء سيأخذ حيزا من الأنشطة الاقتصادية لميناء الجزيرة الخضراء المقابل له، والذي يعد أحد أكبر الموانئ الإسبانية على الإطلاق. ويقع الميناء البحري العسكري الجديد على بعد كيلومترات قليلة من صخرة جزيرة المعدنوس التي كادت تتسبب في نشوب نزاع بين المغرب وإسبانيا صيف عام 2002، ولعبت فيه البحرية الإسبانية دورا أساسيا، وهو أول ميناء لحماية السواحل الشمالية التي تنتشر فيها تجارة المخدرات والهجرة السرية، مثلما تعد منطقة استراتيجية مستهدفة من طرف تنظيم القاعدة الذي يعتقد أنه يضع ضمن مخططاته استهداف السفن الحربية والتجارية الغربية التي تمر من المضيق قادمة من المحيط الأطلسي في تجاه قواعدها في العراق ودول الخليج العربي، خصوصا أن المغرب سبق له أن فكك ما عرف «بخلية السعوديين» عام 2002، التي كانت تستهدف تنفيذ مخطط ضرب البوارج الأمريكية في عرض المضيق. وستشكل القاعدة البحرية الجديدة بداية منافسة لإسبانيا التي كانت تبرر وجودها في مدينتي سبتة ومليلية أمام القوى العظمى بكونه يعد ضمانة لمصالح السفن التجارية والبحرية الغربية في الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق، فالإسبان يراقبون هذا الانتقال المغربي من الاهتمام العسكري الأطلنتي إلى الاهتمام العسكري المتوسطي، خصوصا أنهم يعرفون ترسانته الحربية البحرية، وخبروا عن قرب مستوى قدرات ضباط وجنرالات البحرية الملكية خلال المناورات المشتركة، التي يجريها السلاح البحري للبلدين تحت راية الحلف الأطلسي الذي يعد المغرب حليفا استراتيجيا له منذ عام 2004. ويسعى المغرب كذلك إلى تحديث ترسانته البحرية التي تعد في غالبيتها من صنع فرنسي باستثناء واحدة هي فرقاطة «الرحماني»، التي هي من صنع إسباني ويرجع تاريخها إلى 1982، فالمغرب لا يفضل التعامل في مجال تجهيزاته البحرية مع إسبانيا التي يشترك معها في حدود بحرية ومشاكل حدودية عالقة منذ قرون. وحسب ما نقله موقع «مير إيماريتيم» الفرنسي، فإن المغرب سيعمل على إتمام صفقة تجارية بينه وبين شركة الصناعات البحرية الفرنسية ليتسلم عبرها فرقاطة من نوع Fremm متعددة المهام بمبلغ 470 مليون أورو، أي حوالي 735 مليون دولار. وفي ظل المشاورات الجارية حاليا في إسبانيا لتشكيل حكومة ثباتيرو المقبلة وفق شعار «الاستمرارية»، يطمح المغرب إلى أن يرفع الإسبان شعار «التغيير» خلال الأربع سنوات المقبلة، حتى يضع قدمه في أول الطريق لحل مشكلة سبتة ومليلية، رغم أن هذا الطريق مازال مفقودا، وحتى إن وجد فإنه سيكون مليئا بالأشواك التي سيقضي البلدان عقودا في نزعها، في حالة توفر الإرادة طبعا.