كنتُ شرعتُُ، قبل حوالي خمس سنوات، في كتابة ونشْر نصوص عن مراكش، أخذ بعضُها عناوين «ليل مراكش» و»مطر مراكش» و»شواطئ مراكش» و»الحمراء» و»الرجال اللقالق» و»قبر يوسف» و»البهجة» و»جامع الفنا» ... وهي نصوصٌ جمعتها إلى بعضها، في وقت لاحق، قبل أن أدْفَع بها إلى المطبعة. وحين بدا أن «ليل مراكش» في طريقه إلى أن يخرج إلى دنيا القراءة كتاباً، وجدتُ أن فقرات بعض نصوصه صارتْ في حاجة إلى بعض المراجعة أو الحذف، ذلك أنه بعد وقت وجيز على نشر هذه النصوص، في جرائد ومواقع إلكترونية عربية، ظهر أن سرعة المدينة الحمراء والتحولات التي طالت الشجر والبشر والحجر ستجعل القارئ يخال نفسه بصدد مدينة أخرى، ربما، «متخيلة»، غير المدينة الحالية التي صارت تختنق بزوارها ودخان السيارات و»صناديق» العمارات السكنية. ولعلَّ أولَ النصُوص التي عدلت في بعض فقراتها كان «ليل مراكش .. أو حين تبحث الإسبانية عن صيفها في عز الشتاء». وهكذا، فبعد أن كتبتُ .. «مَراكشْ ... مدينة تسكنها فتسكنك. هي مدينة النخيل. النخيل في مراكش منتشرٌ في كل مكان. نابتٌ حيث شاء. للنخيل جمالٌ خاص. فارعُ الطول إذ يتجه إلى السماء، حتى وهو يميل إلى هذا الجانب دون الآخر». وجدتُ نفسي، قبلَ أيام، أكتبُ نصاً آخر، على شكل تقرير، جاء فيه: «أثبتتْ التحولات المتسارعة، التي تعيش على إيقاعها مدينة مراكش، أن الإسمنت والنخيل لا يجتمعان في مكان واحد. وهكذا، ففي الوقت الذي كانت فيه أعيُن المراكشيين والزوار تنفتح على بنايات واطئة ونخيل يرافق زرقة السماء وكتبية شامخة، صارت العمارات تسابقُ بعضَها، في الضواحي كما في كل المساحات الفارغة بوسط المدينة، وهو سباق ترافق وتوافق مع جنون غير مسبوق للعقار وهجمة غير عادية للإسمنت». وبعدَ أنْ كتبتُ أنه .. «بين الماضي والحاضر، تفتَح مراكش ذراعيها. تستقبلُ زوارها، وتمنحهم نهارها نخلاً وليلها ثمراً. في مراكش. عن ليل مراكش. ليس من رأى كمن سمع». .. وجدتُ أن التخوفَ على مصير المدينة صار يملأ على أهلها تفكيرهم، كما أن الغلاء ازداد غلاءً، وبالتالي لم تبقَ مراكش هي تلك المدينة التي عُرفت بأنها «مدينة الغني والمسكين». وبعدَ أن كتبت بأن .. «ليل مراكش جميلٌ وهادئ. جميلٌ بسحره وهادئٌ بأمنه وأمانه. على غير عادة مدن مغربية أخرى، تبدو مراكش مدينة أمن وأمان. التجولُ ليلاً، وحتى الساعات الأولى من الصباح، صارَ ميزة مراكشية. في مدن مغربية أخرى، ربما سيكون عليك، وأنت تتمشى، أن تلتفت يميناً ويساراً مخافة أن يهجم عليك أحدهم طالباً منك، بأدب أو بدونه، أن تمُدَّه بما حوته جيوبك ومعصمك من مال وذهب، مع أجمل الأماني بألا يحدث ما يجعلك تعرضُ عن رؤية وجهك في المرآة». والمفارقة أنه في الوقت الذي أجبرتني فيه مراكش 2008 على حذف أو إدخال تعديلات على فقرات كاملة من بعض نصوص مراكش 2003 إلى 2005، تركتُ نص «قبر يوسف» على حاله. تمتدُّ مراكش في الزمان والمكان، فيما الفارس المرابطي متروكٌ، هناك، في مقابل محطة للوقود وبناية للشرطة السياحية، وجنبَ نقطة لوقوف حافلاتٍ تنقل ركابها نحو أحياء المدينة المترامية الأطراف. مدينةٌ كان الراقد بالضريح واضع أساسها. أما الأندلس، التي قصدها مؤسس مراكش ذات دعوة «طوائفية» من إماراتها المتنافرة، فتحولت إلى «إليخيدو» حارقة تأكل المهاجر الباحث عن عيش كريم في نقطة أبعد من طنجة». وإلى نص «قبر يوسف»، حافظ نص «سكانٌ جدد» على كامل فقراته، وهو نص نقرأ فيه، على لسان أحد المراكشيين: «إن الأمورَ تغيرتْ كثيراً بين الأمس واليوم، والمراحل الانتقالية بمراكش ربما تطولُ أكثر من اللازم، ولا أحد سيعرف غداً كيف ولمن ستؤول هذه المدينة؟ ومم ستتشكل ساكنتها؟ وكيف ستكون ثقافتها؟ وما الغرض منها أصلاً: هل هي مدينة للتاريخ؟ للاقتصاد؟ للسياحة الثقافية؟ للسياحة الجنسية؟ للفلكلور؟ للسينما؟ أم .. لأشياء أخرى؟ لا أحد يعرف، إلى حد الآن، على الأقل!!».