بعد «أصوات مراكش» لالياس كانتي، هاهي مدينة مراكش وساحتها «جامع الفنا» تحضى مرة أخرى باهتمام الشاعر الألماني كريستوف لايستن الذي أصدر قبل سنتين كتاب مراكش جامع الفنا. وصدرت حديثا الترجمة العربية عن دار المسار التي تشرفها عليها الشاعرة العراقية المقيمة في برلين أمل الجبوري. وهي الترجمة التي أنجزها الباحث المغربي محمد خلوق وتم تقديمها في رواق معهد غوته بالمعرض الدولي للكتاب مؤخرا. ويذكر أن الترجمة العربية من تقديم الشاعر والباحث المغربي حسن نجمي، حيث جاء فيها: «لم ألتَقِ كريستوف لايستَنْ وإنما رأيتُه في الصورة ممتلئاً بالحياة والبسمة الحييّة? وحينما قرأتُ كتابه (مراكش جامع الفنا) وجدتُ فيه ترجمة أنيقة وناعمة للمغربي محمد خَلّوقْ، أحسستُ أنني أعرفه جيداً كما لو كنّا التقَينا في ممر النخيل أو في مقهى شعبي متواضع على أطراف ساحة جامع الفنا العجيبة? بدا لي وجهاً مألوفاً جداً وكأن خطواتنا تقاطعت في مكانٍ ما، في سفرٍ ما فلم نتبادلِ التحية? وها نحن نتبادلها الآن? كتاب انبثقَ ضمن سيرورة سَفر ما، وتحديداً في مدينة مراكش وساحتها الكونية المفتوحة (ساحة جامع الفْنَا)، تلك الساحة التي جمعت في فضائها عمق التاريخ وثراء التجربة الإنسانية الحيّة المتواصلة? كما أعطت لمراكش وللمغرب صورة مضيئة عن معنى الذاكرة، ومعنى التراث الشفوي العميق? جاء لايْستَنْ إلى مراكش في سفر »سياحي« سرعان ما ارتقت به الكتابة إلى سَفَر شخصي حميمي، ثقافي وفكري، بل ارتقى به الكتاب إلى مستوى التجربة الإبداعية، ما أعطانا عملا خلاّقاً بنَفَس شِعْري واضح وملموس، بلغة بسيطة تلقائية وحاذقة في استيعاب الأشياء والمرئيات والمسموعات، وبمشاعر وخواطر وأفكار طازجة كما لو كان الأمر يتعلق بكتاب شعري أوّلي? هناك دهشة الاكتشاف، هي التي تُدشّنُ العلاقة بالمكان وبالناس، تفتح الأفق للنظر وللتَّماس? هناك سَعي لبناء معنى معيّن للمغرب وللمغاربة? تلك الدهشة التي تضع الشعْر، وذلك السعي الحثيث الذي يؤسس لرؤية عاشقة متضامنة مع المرئي والمسموع، ويجعل من ساحة الفَنَا بؤرة للمَحْكي المكتوب، للمَحْكي الشعري إن أردنا التدقيق، المحكي الذي يلتقط روح مدينة امبراطورية عتيقة، وربما روح بلدٍ بكامله، وذلك من خلال تعدّد أصواته ولغاته وتعبيراته ومظاهره السوسيو ثقافية والحضارية? فبالكِتاب سفر آخر يُدوّن السفَر الفعلي ويتجاوزُه? ولعل هذا العمل أيضاً دليل على أن الكتابة أجمل من الواقع? لقد عرف لايستنْ كيف يستثمر سَفَره ليفهم ويتفهم اختلافات الآخرين حد التنصل من ادعاءات بعض أنواع الاستشراق? وقد توفّق الأخ الصديق محمد خلّوقْ في أن يُعرّب الكتاب ويمنحهُ وجوداً جديداً في لغة جديدة، فقد أعطاها الكثير من صبْره وحِلمه وشغفِهِ باللغتين الصديقتين الألمانية والعربية، كمن يمنح فراشةً حرةً أجنحةً أخرى لمواصلة السفر»