بلاغ لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة    ائتلاف مكون من 20 هيئة حقوقية مغربية يدعم إضراب المحامين        مكتب الفوسفاط و"إنجي" الفرنسية يتجهان لإنشاء مصنع ضخم للهيدروجين الأخضر في الصحراء    "إنرجين" تصدم المغرب بخصوص كمية الغاز المكتشفة وتقرر الانسحاب    صعود الدولار يخفض أسعار النفط بعد احتفاء ترامب بالفوز في الانتخابات    في خطاب النصر.. ترامب يتعهد بوقف الحروب وعودة العصر الذهبي لأمريكا    ردود فعل دولية على فوز ترامب.. نتنياهو والسيسي يهنئان.. و"حماس" تتطلع إلى وقف الحرب و"إيران" مستعدة للمواجهة    "الاشتراكي الموحد": تطوير العلاقات مع فرنسا ينبغي أن لا يكون على حساب ثروات المغرب واستقلاليته    اتحاد طنجة يرفض طلب الوداد … !    العرائش: تدشين مشاريع تنموية بإلإقليم بمناسبة تخليد ذكرى المسيرة الخضراء    الجديدة: جزارو مولاي يخرجون للاحتجاج أمام مقر الجماعة    في آخر فرصة لهم.. وسيط المملكة يقترح على طلبة الطب حلين لإنهاء الأزمة    الانتخابات الأمريكية: الجمهوريون يحصدون الأغلبية بمجلس الشيوخ    الجديدة : لقاء تواصلي حول برنامج GO SIYAHA بحضور فاعلين في مجال السياحة    "فيفا" يلزم الوداد والأندية بالمشاركة بأقوى اللوائح في "موندياليتو 2025"    الرابطة البيضاوية تعزي في وفاة والدة هشام سهيل    بسبب تراجع مستواه … صابر بوغرين تتراجع قيمته السوقية    في ذكرى المسيرة الخضراء.. ترامب يعود للبيت الأبيض و"مغربية الصحراء" قد تكتسب زخماً جديداً    وزارة الصحة تكشف خريطة بناء مستشفيات جديدة بقدرة استيعابية تتجاوز 5000 سرير    استئنافية البيضاء تحدد أولى جلسات محاكمة القاضية المتقاعدة    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    لحماية القطيع.. وزير الفلاحة يمنع ذ بح الإناث القادرة على التكاثر    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا.. تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    أبطال أوروبا: هزيمة مفاجئة للريال في البيرنابيو وسيتي يسقط بالأربعة أمام سبورتينغ    دونالد ترامب معلنا فوزه بالبيت الأبيض: "صنعنا التاريخ"    اختتام فعاليات الدورة التدريبية لحكام النخبة (أ)    قيوح يستعرض ميزانية وزارة النقل واللوجستيك برسم مشروع المالية 2025    بركة: 43.1 مليار درهم مجموع الاستثمار العمومي في قطاعات التجهيز والماء برسم ميزانية الوزارة ل2025    طقس الأربعاء.. ارتفاع درجات الحرارة وتناثر حبات رملية بالاقاليم الجنوبية    كيوسك الأربعاء | مقترح جديد ينهي أزمة أطباء المستقبل    ترامب يعلن فوزه ويعد بعصر ذهبي جديد لأمريكا    ذكرى المسيرة الخضراء.. الملحمة الخالدة    الانتخابات الأمريكية..ترامب يتقدم على هاريس في ولاية بنسلفانيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    بدء إغلاق صناديق الاقتراع في أمريكا    29 برلمانيا بمجلس المستشارين يصادقون على مشروع قانون إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وثلاثة يمتنعون            بنك المغرب يكشف حقيقة العثور على مبالغ مالية مزورة داخل إحدى وكالاته    "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة" إصدار جديد للشاعرة مريم كرودي    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    مرحلة ما بعد حسم القضية..!    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    كَهنوت وعَلْموُوت    "روائع الأطلس" يستكشف تقاليد المغرب في قطر    فن اللغا والسجية.. المهرجان الوطني للفيلم/ جوائز المهرجان/ عاشت السينما المغربية (فيديو)    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    أولمبيك أسفي يوجه شكاية لمديرية التحكيم ضد كربوبي ويطالب بعدم تعيينها لمبارياته    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)    خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمناء المسجد المغربي بلندن يتهمون بومزوغ بمساندة «القاعدة»
نشر في المساء يوم 26 - 03 - 2008

تعيش الجالية المغربية حاليا على إيقاع فصل مثير مما أصبح يعرف بصراع الأمناء مع إمام المسجد. ويتعلق الأمر بإدريس بومزوغ وأربعة أمناء مكلفين بكل شيء يهم مسجد «الهدى» في الحي المغربي. وقد تطور النزاع الذي كنا غطيناه في مراسلة سابقة في اتجاه لا أحد كان يتوقعه. القضية وصلت إلى المحكمة والتهم التي دفع بها الأمناء وصلت إلى اتهام الرجل بمساندة «القاعدة» وبن لادن، والملف مازال آخذا في التفاعل.
تهم من عيار ثقيل
في وقت تبحث فيه مختلف الأقليات في بريطانيا عن إثبات الذات والتكتل والانتظام العقلاني للاستفادة من هوامش الحرية والدعم الحكومي لكل المشاريع التي تصب في اتجاه تنمية وإدماج أحسن للجاليات، تبقى جاليتنا المغربية في لندن على وجه الخصوص رهينة مشاكلها البنيوية. فصل جديد من واقع لا يبعث على الارتياح أبطاله هذه المرة أمناء مسجد «الهدى» في صراعهم مع الإمام إدريس بومزوغ الذي سبق أن عزلوه قبل أن يصل الموضوع إلى ردهات المحاكم. ففي متم الأسبوع الماضي عقد الإمام لقاء إخباريا حضره عشرات أفراد جاليتنا في الحي المغربي، الهدف من اللقاء كان وضع المغاربة في سياق تطورات ملف صار معروضا على المحاكم البريطانية، بعد أن كان يبدو سهل الاحتواء في إطار ودي في السابق.
الأمر لا يتعلق بإخبار حول نتائج تدخلات ودية من ذوي النيات الحسنة بل بتهم توصل بها إدريس بومزوغ رسميا عن طريق محاميه، وهي الاتهامات والدعاوى التي استند عليها الأمناء، في الدعوى التي رفعوها ضده أخيرا واستصدار أمر من المحكمة بطرده نهائيا من المسجد. ومن التهم التي ذكر بومزوغ نفسه غيضا من فيضها هناك: الدعاء للقاعدة ومناصرتها وتشجيعها، أي انتماء الإمام إلى هذا التنظيم، دعوة المسلمين إلى مقاتلة بريطانيا وأمريكا، الدعاء لابن لادن والقاعدة في دعاء القنوت، اتهام الإمام أيضا بأنه قال إن بن لادن هو منتوج أمريكي بريطاني. اتهامات سردها الإمام بومزوغ وأرجأ حججه لتنفيذها إلى حين المثول أمام القضاء، وهي تهم، في رأيه، تعني شيئين إما أنه بريء أو غير ذلك ومن ثمة الذهاب لسجن بلمارش. وقد بدا على الحضور، وهم مغاربة من أعمار مختلفة، وجوم واستغراب أمام ما تفوه به الإمام الذي كان يقرأ التهم المكتوبة ويحمل كما كبيرا من الوثائق. وقد جاءت هذه الاتهامات في سياق أمني غربي متوجس جدا من احتمال ترجمة أتباع بن لادن شريطه الصادر أخيرا إلى أفعال ملموسة، كما راجت في بعض أوساط الجالية أخيرا وبعد خطبة جمعة قصة مفادها أن بومزوغ وآخرين ممن لا يصلون أصلا أخذوا المسجد للمحكمة، لكن المدعى عليه تحدى إماما حل محله بعد طرده وكان حاضرا، بأن يقارن بين تواريخ ومضامين وثائق المحكمة ليتبين له عكس ما ذهب إليه على أن يتحلى بالشجاعة اللازمة ليقول في خطبة بعد غد الحق للناس. ورحب الإمام المعزول بالسجن إن كان ذلك «من أجل ثوابت ديني وإيماني وعقيدتي» وعلى أن يتحمل من ألصقوا به التهم مسؤوليتهم في الآخرة. ولفت بومزوغ إلى أن ما قاله في خطبه حول العراق وفلسطين أمور يكفلها الإسلام أولا وقانون بريطانيا والأمم المتحدة. وتعود أسباب الخلاف بين الإمام والأمناء إلى أسلوب تدبير الأموال التي يحصل عليها المسجد من تبرعات المحسنين وتحقيق الغايات التي من أجلها أسس المسجد المسطرة في قانونه الأساسي ومن بينها: تخفيف الحاجة في صفوف المسلمين بالمملكة المتحدة، توفير المأوى لمن لا مسكن لهم، توفير السكن والعلاج للمسلمين القادمين إلى بريطانيا من بلدان أخرى، تسهيل تعليم البحث في الحقل الإسلامي وما يتطلبه الأمر من توفير للمراجع والمكتبات...
وفي هذا السياق، كشف بومزوغ أن الشيكات التي تصرف باسم المسجد، والتي يفترض أن يوقع عليها أمينان على الأقل، ظلت تصرف لمدة ستة أشهر بتوقيع عبد السلام العزيزي لوحده. وأقسم المتحدث نفسه أنه كان في بيت الله حين صارحه الأمين أحمد الصروخ بأنه «يلا حليت فمي غادي نغبر ليهم الشقف» والمقصود هنا بقية الأمناء. وفي السياق ذاته، وضع الإمام رهن إشارة الجمهور نسخا تشير إلى عدم كشف حساب الخمس سنوات الأخيرة متسائلا عن مصير الأموال وكيف دخلت وكيف صرفت؟ وعلى ذكر الأموال فإن استخراج رسالة من المحكمة كلفت الأمناء لوحدها قرابة أربعة آلاف جنيه أي ما يفوق خمسين ألف درهم مغربي، فقط، علما أن المحامي يكلف ما بين مائة وخمسين إلى مائتين وخمسين جنيها للساعة الواحدة كأتعاب، ويرتقب أن تكلف قضية الأمناء في صراعهم مع الإمام، إن ذهبت إلى منتهاها في الشق المتعلق بكون بومزوغ كان يشتغل بشكل قانوني فحسب، ما لا يقل عن عشرين ألف جنيه على أقل تقدير. والسؤال المطروح في أوساط الجالية الآن هو من أين ستصرف هذه الأموال هل من جيوب الأمناء الأربعة أم من أموال المحسنين؟
وأنهى الإمام المعزول حديثه بواقعة أقسم عليها مفادها نصيحة جاءته من أحد الأمناء يوما حين طلب منه أن يحتاط لأنه «بمجرد ما ينهي خطبة الجمعة تكون تلك الخطبة قد وصلت إلى القنصلية المغربية»، وتساءل بومزوغ عما إذا كانت الغاية من ذلك الإساءة إلى سمعة القنصلية أو تخويفه، وكان جوابه أنه يقول كلاما صادقا لا يتعارض مع قوانين البلد وحتى لما دعا على بلير وبوش في دعاء القنوت كان قد استشار محاميه في الموضوع وكان رأي المحامي أنه ما دام الأمر في حدود الدعاء ولا يصل إلى التحريض على العنف فلا مشكلة هناك. وقد حضر مصطفى الزعيم، وهو واحد من الأمناء الأربعة، اللقاء وأعطي حقه في الحديث لكن بعد دقائق من الكلام حاول خلالها تحميل بومزوغ سبب المشكلة بسبب عدم مواظبته على إمامة الناس في الصلوات الخمس وأن الأمناء هم من أعطوه المشروعية وهم من يحق لهم سحبها منه، دعاه الإمام المطرود إلى مقارعة الحجة بالحجة وحاصره بعض الحاضرين بالأسئلة ففضل الانسحاب من القاعة مخلفا وراءه مزيدا من الاستفهامات. ومن بين الخطوات العملية التي شرع فيها بعد نهاية اللقاء البدء في التوقيع على عريضة مساندة قد تصل إلى ألف موقع.
الأمن على الخط
في سياق تفاعلات القضية علمت «المساء» أن لقاءات سبق أن جمعت بين الإمام والسفير المغربي محمد بلماحي الذي يقتصر دوره الأساسي على العمل الدبلوماسي، الذي أحاله على القنصل المغربي أنس خالص مشيدا بقدرات الأخير، وأن المسؤولين المغاربة عموما دفعوا في اتجاه الصلح وتفادي اللجوء إلى المحاكم. وقد وضع فعلا طلب من أجل الوساطة في النزاع لدى القنصلية منذ ثلاثة أسابيع. ويشار هنا إلى أن كل الخيارات تبقى مطروحة بما فيها الحق الذي يمنحه القانون لمستعملي المساجد بالاعتصام داخلها والمطالبة بإحضار الشرطة للأمر بعقد جمع عام طارئ والتصويت بسحب الثقة من الأمناء وانتخاب آخرين. وفيما عبر كثير من أبناء المغرب هنا عن تخوفهم من أن تؤدي الأمور إلى انفلات قد يضر أكثر مما ينفع، نقل عن مصادر مطلعة أن هناك استعدادا حقيقيا لدى المسؤولين المغاربة بلندن لاحتواء الأزمة حفاظا على صورة الجالية المغربية وتماسكها.
ولم يتوقف الأمر عند حدود التمثيلية الدبلوماسية المغربية، والتي ليست وصية قانونيا على المسجد، بل وصل إلى الشرطة البريطانية في لندن والتي حضرت إلى المسجد بعد تبليغها أن الإمام قاطع الخطبة في حين شهد كثيرون أن الرجل تدخل في نهاية الصلاة لتوضيح بعض الأمور التي اعتبرها مغالطات، وحينها أعطى بومزوغ الشرطة وعدا شفويا بعدم دخول المسجد إلى أن تبت المحكمة في الأمر، وأعقب ذلك اجتماع بين الإمام وآخرين في مركز الشرطة «نوثنغ هيل غيت»، وحسب عزيز سامح، وهو أستاذ، حضر اللقاء الذي أشرف عليه «كريس باري» المسؤول من قسم العمليات الخاصة في نيوسكوتلانديار، المكلف بالاتصال مع الجاليات المسلمة، وهو إنجليزي حاصل على ماجستير في الدراسات الإسلامية ويتقن العربية، فإن المسؤول الأمني البريطاني أعرب عن استعداده توفير مكان للمغاربة من أجل الصلاة والقيام بالأنشطة ذات الصلة، وهي مفارقة عجيبة حينما يتصل مغاربة بالشرطة لمنع بعضهم من دخول مسجد في حين يكون الأمني المسيحي مستعدا لتوفير مكان العبادة لأتباع الملة المحمدية، في رأي بومزوغ، وأضاف سامح أن «باري» يدعو إلى التعاون من أجل تصريف الاستياء المبرر للشباب المسلمين في قنوات إيجابية مثل الحوار العقلاني والإعلام لسحب البساط من تحت أقدام الاتجاهات المتطرفة في أوساط الجالية المسلمة. وفي رأي سامح فإن الفراغ التأطيري في صفوف جاليتنا يجعل الشباب المغاربة من الجيل الثالث، في بلاد المهجر عموما، عرضة لتيارات أخرى، حينما يلاحظون هزالة المشرفين والمؤطرين للمساجد المغربية وبالتالي، يضيف، تكريس فكرة مغني الحي لا يطرب، ضاربا مثالا بإسبانيا حيث يشكل المغاربة أكبر جالية مسلمة بينما تسعة وتسعون في المائة من الأئمة والمشرفين على المراكز الثقافية سوريون. وتجدر الإشارة إلى أن الإمام بومزوغ، المتهم من قبل الأمناء «بمساندة بن لادن»، لديه ارتباط مهني رسمي مع سجني «بانسفيل» و»سكرابس» في لندن حيث يشتغل في مجال الإرشاد ومكافحة الجريمة وإعادة التأهيل والإقلاع عن المخدرات في أوساط المعتقلين من أبناء الجاليات المسلمة، بالإضافة إلى دور الخطيب والمدرس للغة العربية.
متهمون في مهنة القول
خلال لقاء جمعني بأحد المغاربة المقيمين هنا منذ ثلاثين سنة تحدثنا في الماضي والحاضر والمستقبل. صرنا خلال ساعتين مؤرخين لماضينا ومنظرين لواقعنا وعلماء مستقبل، أين المهدي المنجرة منا، هذه مشكلتنا، عربا ومغاربة، لدينا قابلية أن نتحدث في كل شيء وننتقد كل شيء في أحيان كثيرة. يعني لدينا ما يكفي من الجرأة على الاختصاصات كلها، وشهية لا تقاوم في فتح الفم وإطلاق اللسان، وهو الجزء نفسه من أجسادنا الذي نخفيه عندما يكون الصدع بالحقيقة فرض عين. غريب أمرنا.
يقولون إننا نحن الصحافيين، بكسر الصاد مع تشديدها تشديد العقوبات السالبة لحريتنا في بعض القضايا، رأسمالنا كلام في كلام. ولعل في هذا الاتهام قدرا لا بأس به من الواقعية، أو لنقل لعلنا نجد أعذار لمن يلصق بنا هذه التهمة. فالرأي العام في بلد كالمغرب يدري أنه مهما كتبنا عن واقع ما ومهما فضحنا أو عرينا فإننا لم نجرجر بعد رأسا كبيرا أمام القضاء ولم يسبق أن قدمت حكومة من حكوماتنا المعاقبة، بكسر القاف، وليست المتعاقبة، ولا حتى عضو فيها استقالته نتيجة تحقيق صحافي أو فضيحة. وعندما يحاصرني مثل هذا السؤال حول جدوى الاستمرار في الكتابة التي لا تغير شيئا في الواقع الذي لا يرتفع، أقتصر في دفاعي بالقول: ليست مهمتنا أن نكبل اللص ونأخذه إلى السجن، نحن نشير فقط إلى ملامح اللص وأحيانا نعرض المسروق وصور السارق وعلى الجهات الأخرى مسؤولية القبض عليه ومعاقبته بعد تحقيق لا يخل بحق المتهم ومحاكمة عادلة.
لماذا لم تبلغ صحافتنا الحد الذي تكون فيه هي من يصنع الحدث باعتبارها سلطة حقيقية؟ الجواب بسيط ومركب: أولا، لأن الصحافي في بلادنا العربية لا يتوفر على إطار قانوني يحميه وجهاز قضائي لا يعلى عليه. نحن متهمون في «مهنة القول» هذه إلى أن يأتي دور المحاكمة. ثانيا، نحن أبناء بيئتنا الأنانية والعداوات التي بين قبيلة الصحافيين تصل أحيانا درجة تثير التقزز. ثالثا، الرأي العام الذي تنصب لنا المقاصل من أجله غير موجود، مثلما يلومنا على كوننا لا نغير شيئا نتساءل نحن أيضا أين هو هذا الرأي العام؟ في أي جحر يختفي عندما تدور علينا الدوائر؟ هذه بتلك.
نقلب الصورة. وننتقل إلى بريطانيا، هنا لا سلطة لوزير إلا في إطار ما يتيحه له القانون في وزارته وضمن قطاعه. ولا سلطة مطلقة لرئيس وزراء إلا ضمن اختصاصه المراقب من قبل القضاء ونواب الأمة. هنا لا سلطة فوق القضاء الذي لا يرحم مفسدا ولا يهمل جزئية، ولديه حساسية بالغة من أي تقييد لحرية التعبير. كيف إذن لا تزدهر الصحافة، وهي ضرب من الفن، في بيئة اجتماعية تتنفس الحرية؟ الحرية والفن قرينان. يتطاحن الصحافيون من أجل السبق، ورغم تباين الاتجاهات فإنهم يتوحدون ضد كل ما يمس هويتهم الإعلامية.
هنا يخاف الناس، سيما المسؤولون، من الصحافيين، لأنهم يعلمون قدرة المهنة النبيلة على خلق الرأي العام، وهذا الرأي هو من يصنع الأغلبية عبر صناديق الاقتراع، وهو الذي يشكل الحكومة ويطيح بها ويحاسبها ويعاقبها في انتخابات لاحقة. لهذا أتطلع دائما إلى قراءة مزيج من الاحترام والرهبة في ملامح شرطة الحدود البريطانية. أتلذذ بتلك اللحظات بلا غرور وفي داخلي أسى أن لو يعلمون ماذا يعني الصحافي في الوطن العربي في مثل هذه المواقف.
أمدونا بقضاء ورأي عام وبرلمان ووو.. كما وصفت، ساعتها لن ننتزع من أعماقكم ابتسامة تشف في المفسدين في الأرض فقط، بل تضحك السماء في وجوهنا ووجوهكم العابسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.