هناك أزمة عقارية حقيقية بالمغرب. أزمة لها جذور ومسببات متعددة، لكنها تبقى أزمة خطيرة رغم أن بعض اللوبيات تريد أن تقدمها بمسميات أخرى! جذور الأزمة تعود إلى إقبال أعداد كبيرة من رجال الأعمال والأثرياء على قطاع البناء والعقار. وهكذا أصبح بالإمكان أن ترى مصنع النسيج منعشا عقاريا ومنتج الصابون مستثمرا عقاريا ومول الصباط صاحب مشاريع عقارية! هي الفوضى بعينها! فوضى ساهمت فيها الدولة بالتساهل مع الوضع القانوني للمنعش العقاري وساهمت فيها البنوك بسيل من التسهيلات التمويلية وهمها الوحيد تصريف سيولتها الفائضة في كل الاتجاهات المتاحة.. والعقار أفضلها. وساهم كذلك في هذه الفوضى جشع رجال الأعمال الذين ركزوا استثماراتهم على هذا القطاع بشكل مكثف. النتيجة هي غلاء فاحش في الأسعار ولهيب اكتوت بناره، بالدرجة الأولى، الطبقة محدودة الدخل، لكن، وبصفة خاصة، الطبقة الوسطى. فإذا كانت الدولة قد قننت السكن الاجتماعي، فإن أغلب المنعشين صاروا يبتعدون عن هذا القطاع الذي كان في البداية ملاذهم. الآن وبعد أن كون بعضهم ثروات لا تعد ولا تحصى صار يتجه إلى العقار الفاخر، مما خلق أزمة حقيقية لذوي الدخل المحدود بحيث صار البحث عن شقة تقل عن عشرين مليون سنتيم رحلة عذاب حقيقية. أما الطبقة الوسطى، فلا هي بإمكانها الاستفادة من السكن الاجتماعي لأنها لا تتوفر على شروط الولوج، ولا هي بإمكانها اقتناء العقار المتوسط بفعل الارتفاع الصاروخي للأسعار. وهكذا صارت الأطر المتوسطة وبعض أصحاب المهن الحرة يفضلون اكتراء الشقق وتفادي «صداع الراس»! النتيجة البارزة لكل هذا هي عودة الروح إلى سوق الكراء بعد أن طاله الكساد لأكثر من عشر سنوات. الأزمة حقيقية لأنها تطال جميع المدن، بحيث لم يعد الأمر مقتصرا على المدن الكبرى فقط. وهكذا فإن مدنا، مثل المحمدية، تعرف ارتفاعا خطيرا في أسعار عقارها وذلك بشكل يبعد كليا عن واقع المدينة الاقتصادي، فقد أصبحت الشقق تسوق بأسعار تفوق المليون سنتيم للمتر المربع، وفي بعض المناطق من المدينة وصل المتر المربع الواحد إلى مليون ونصف المليون سنتيم! نفس الشيء يقال عن الجديدة... المدينة الهادئة التي استفاقت فجأة على واقع جديد لأسعار عقارها، مع أنها لم تعرف أي تغييرات على المستويات السوسيو اقتصادية، فالجديدة قبل عشر سنوات هي نفسها الآن مع فارق وحيد هو أن سكانها صاروا عاجزين عن اقتناء شقق. حتى القرى المتاخمة للمدن الكبرى لم تسلم من هذه الموجة. ففي دائرة النواصر التي تبعد عن الدارالبيضاء ب25 كيلومترا تسوق الشقق بسبعة آلاف درهم للمتر المربع! ومع كل هذا، مازال جشع المنعشين العقاريين بلا حدود. فهم يريدون من الدولة ألا تتخلى عن الفصل ال19 الذي يمنحهم تفضيلات جبائية هامة. يريدون كذلك من الدولة أن تعلن الإعفاء الضريبي عن سابق السنوات لمحاربة ظاهرة «النوار». هكذا صار اللوبي العقاري يملي شروطه على الدولة. يطالب بالمزيد ولا يريد إعطاء شيء لهذا البلد الذي كان وراء تكديس ثرواته. لقد حكى لي أحد الأصدقاء عن كون أحد معارفه، من أثرياء العقار، أسر له وهو يحضر جنازة منعش عقاري وافته المنية.. أن «الدنيا كلها سراب وأن المرء لن يحمل معه من همها سوى حفنة تراب ومثقال أعماله»! وكله تأثر وحزن على صديقه المتوفى. قول حكيم. لكن نفس الصديق أكد لي أن نفس الشخص عاد إلى نفس ممارساته بالبيع بالنوار ورفع الأسعار وتكديس الثروات (الله يزيدو) دون أن يفكر في نفس اللحظة التي رافق فيها أحد أصدقائه إلى مثواه الأخير. لم يصدمني ذلك، لأن المعروف أن البيزنس يقتل المشاعر لدى ضعاف النفوس. ولعل الجميع يتذكر أنه عندما تفجرت قضية المواطن الذي يقطن المراحيض، صمت كل المنعشين العقاريين المغاربة وتواروا عن الأنظار.. صمت القبور الآتي لا ريب!