يمثل فوز محمد بن عيسى، وزير الخارجية المغربي السابق، بجائزة الشيخ زايد للكتاب كأفضل شخصية ثقافية للدورة الثانية حالة أخرى من حالات تقدير المغاربة من قبل المحفل الثقافي العربي وبالأخص الإماراتي منه والخليجي بوجه عام. وقد نال بن عيسى الجائزة وذلك تقديراً لدوره المهم في تأسيس مهرجان أصيلة للفنون والثقافة والفكر، كمشروع ثقافي حضاري مهم استمر بدأب نحو ثلاثة عقود دون توقف منذ عام 1978، وجعله ملتقى للمبدعين والمفكرين العرب والأفارقة والغربيين، ومنارة مدينة عربية بسيطة إلى نموذج مبدع للقرية العالمية في العصر الحديث، ولإسهاماته في إنعاش الحياة الثقافية المغربية ووصولها إلى منابع الثقافة العربية والعالمية في أفقها الإنساني. وفاز مغربي آخر هو الدكتور د.محمد سعدي بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع المؤلف الشاب عن كتابه «مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة وثقافة السلام» في إطار جائزة المؤلف الشاب، مما يشير إلى الرهان القوي على أن يكون المغرب أرضية صلبة لمواصلة البحث العلمي وعمل المشعل الإبداعي، والمراهنة على أن يكون مستقبل الثقافة المغربية من الأطراف، كما هو الحال بالنسبة لدول الخليج وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة التي تمول أكبر الجوائز الثقافية العربية وأرفهها قيمة مادية ورمزية ومنها على وجه الخصوص جوائز الشيخ زايد للكتاب وجوائز سلطان العويس وجائزة المسرح العربي التي تمولها حكومة الشارقة وجائزة الإبداع العربي في الشارقة أيضا، ومشاريع الترجمة التي انطلقت هذا العام، تلك التي أطلقتها حكومة أبوظبي وحكومة دبي. وعلى سبيل المثال تبلغ القيمة المادية للجائزة سبعة ملايين درهم إجمالاً، حيث يمنح الفائز في كل فرع جائزة مالية قدرها 750 ألف درهم وميدالية ذهبية تحمل شعار الجائزة المعتمد، إضافة إلى شهادة تقدير للعمل الفائز، في حين تبلغ القيمة المادية لجائزة شخصية العام الثقافية مليون درهم. ويشترط في جميع الفروع أن يكون المرشح قد أسهم في تنمية الفكر والإبداع في الثقافة العربية، وأن يكون النتاج الإبداعي للمرشح منشوراً في شكل كتاب ورقي أو إلكتروني أو سمعي، ولم يمضِ على نشره أكثر من سنتين. لقد حقق الحضور المغربي في المشهد الثقافي العربي العام حضورا قويا على مستوى خريطة الجوائز الثقافية العربية هذا العام، لقد كان على الثقافة المغربية أن تنتظر كل هذه السنوات كي تنال نصيبها من الجوائز الثقافية التي تمولها بالأساس دول الخليج العربي، وبالأخص الحضور الوازن الذي راكمته جائزة العويس الثقافية والتي كان على الثقافة المغربية أن تنتظر حتى الدورة التاسعة كي تتوج بجائزة النقد في شخص الناقد المغربي الدكتور محمد مفتاح، وهو حضور سيعاد تأكيده في الدورة العاشرة عندما أسندت جائزة النقد للمرة الثانية إلى مغربي آخر هو الناقد عبد الفتاح كيليطو، كما حاز الإبداع المغربي لألف مرة على جائزة من هذه القيمة الرمزية والمادية في شخص الشاعر المغربي محمد بنيس، وهو تأكيد يأتي ليقول إن المغرب اليوم هو بلاد للإبداع العقلي والفلسفي وأيضا لروح الجمال. وفي اعتقاد المثقفين المغاربة فإن هذه الجوائز تجسد تفاعل الثقافة المغربية والثقافة المشرقية، وفي هذا الإطار صرح محمد بنيس بأن جائزة العويس هي إشارة إلى ما يمكن أن يكون عليه الواقع الثقافي العربي من تفاعل خلاق بين مغرب العالم العربي ومشرقه، وأنها تفتح أفقا جديدا في مسار التحديث والمغامرة والحرية في مجال الإبداع الأدبي وخاصة الشق الشعري منه. وكانت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية قد أعلنت أن لجنة التحكيم منحت الشاعر محمد بنيس جائزة الشعر لتجسيده حيوية الشعر العربي وأصالته ولتميز كتابته الشعرية بقيمة فنية عالية ولتجذرها في الثقافة العربية وانتهالها في الوقت نفسه من الثقافات الإنسانية ضمن رؤية حداثية. كما منحت نفس الجائزة في مجال النقد للناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو لكونه من بين النقاد العرب البارزين من خلال تمثله النظريات النقدية الحديثة وإسهاماته في استكشاف عمق الخطاب التراثي السردي والحكائي والعجائبي العربي، مما فتح للنقد أفقا من الحيوية والتأمل. ويعتبر عبد الفتاح كيليطو من بين النقاد العرب البارزين من خلال تمثله النظريات النقدية الحديثة وإسهاماته في استكشاف عمق الخطاب التراثي السردي والحكائي والعجائبي العربي مما فتح للنقد أفقا من الحيوية والتأمل. واليوم وفي سياق تحولات الثقافة المغربية يوجد الكثير من أهل الشأن الثقافي المغربي في مواقع ثقافية عربية هامة، وبالأخص في البيات المؤسسية في الثقافة الخليجية التي تنفتح على الكفاءة المغربية في مجال التدريس الجامعي وفي نوعية المورد البشري وفي تدبير المحفل الثقافي العام، فهناك اليوم محمد بنيس محكما في جائزة بوكر العربية ويوجد سعيد بنسعيد العلوي في الأمانة العامة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، ويوجد محكمون مغاربة في جوائز عربية من مثل جائزة السلطان قابوس وجائزة الرواية العربية وجائزة سلطان العويس، ومن هؤلاء على مدى فترات المفكر محمد عابد الجابري والناقد سعيد يقطين والروائي محمد برادة والناقدة والروائية زهور كرام، والروائي مبارك ربيع والسيميائي سعيد بنكراد، وغيرهم من الأسماء المهمة في الثقافة المغربية. زيادة على لائحة الفائزين من المغاربة بجوائز عربية وأجنبية ومن مختلف الأجيال. هي بكل تأكيد بداية إذا ما أحسن تقديم الوجه الحقيقي لثقافة مغربية تقوم على التنوع وعلى التسامح، فرصة أكيدة، قد تربح كرهان، وقد تخسر بصفاقة كي تعيد الكرة إلى ملعب الثقافة المشرقية وبالأخص الحضور المصري، الذي يفقد عروشه عاما بعد عام. اللهم لا حسد.