تولي الأسر المغربية ذكرى المولد النبوي اهتماما خاصا إذا ما قورنت بالعديد من الشعوب الإسلامية . فهذه الذكرى ليست فقط مناسبة يصدر فيها العاهل المغربي عفوه على عدد من المعتقلين في سجون المملكة، بل إنها أيضا محطة لممارسة طقوس وعادات ارتبطت ارتباطا وثيقا بهذه الذكرى. وتبقى سلا من المدن المغربية التي يتخذ فيها الاحتفاء بذكرى المولد النبوي بعدا استثنائيا، إذ حافظت المدينة، على مدى قرون من الزمن، على تقليد سنوي يسمى موسم «الشموع». وأصل حكاية هذا الموسم أن أحمد المنصور الذهبي، واحد من الملوك السعديين، كان في زيارة لأسطنبول، وحدث أن تزامنت زيارته مع احتفالات شهدتها اسطنبول، وأثار إعجابه في هذه الاحتفالات استعراض شعبي لموكب يحمل شموعا، فقرر نقل الفكرة إلى المغرب لدى عودته إليه، وهكذا استدعى أكفأ صناع الشموع من سلا ومراكش وفاس لتنفيذ فكرته، وهي صنع هيكل من الشموع سبق أن شاهده في تركيا. ومنذ ذلك التاريخ ومدينة سلا تحتضن هذا التقليد احتفاء بالمولد النبوي. وتبدأ الاستعدادات لموسم الشموع مبكرا، قبل ذكرى المولد النبوي بعدة أسابيع، إذ يتبارى الصناع التقليديون في ما بينهم لإظهار مواهبهم في صنع أحسن الشموع. وليست هذه الشموع المستعملة في هذه الاحتفالات هي تلك الشموع المتعارف عليها لدى الناس، بل هي شموع لها أشكال وأحجام متعددة، وقد يصل طول الشمعة إلى مترين أو أكثر، فيما قد يصل الوزن إلى 50 كيلوغراما يتم وضعها في هيكل خشبي ملفوف بالأوراق الأبيض. وإذا كانت مدينة سلا تستقبل ذكرى المولد النبوي بموسم للشموع، فإن مدينة مكناس تستقبل هذه الذكرى بزيارة دفينها محمد بنعيسى الذي تلقبه ب«الشيخ الكامل». وهكذا، فمنذ الأسبوع الماضي، أصبح ضريح الشيخ الكامل قبلة لعدة فرق فنية بتسميات متعددة استعدادا لليلة العيد التي تبدأ مع حلول الفجر عندما تشرع مختلف الطوائف القبلية في الدخول إلى الضريح وهي تحمل الهدايا طمعا في بركته. ولا تنحصر الطقوس والعادات احتفاء بذكرى المولد النبوي في زيارة الأضرحة والاستماع إلى أغاني المدائح النبوية وتنظيم الأمسيات الدينية وتبادل الزيارات العائلية، بل تتعدى ذلك إلى كون بعض النساء يستيقظن في ساعة مبكرة من صباح العيد ليطلقن 3 زغرودات مع أذان الفجر تعبيرا عن فرحهن بهذه الذكرى التي تؤرخ لميلاد نبي الإسلام، فيما بعض العازبات من النساء يعتبرن العيد مناسبة للبحث عن عريس، ولهذا فبعضهن يقضين ليلة العيد في بعض الأضرحة لعلهن يجدنه عندما يستيقظن من النوم. ويرى حسن قرنفل، الباحث في علم الاجتماع، أن هذه الطقوس والعادات المصاحبة لذكرى المولد النبوي لها وظيفة مركزية، وهي ترسيخ وتكريس استمرارية هذه الذكرى. وقال في اتصال مع «المساء» إن أي عيد إذا لا تصاحبه هذه الطقوس والعادات يكون مهددا بالانقراض، مؤكدا أن الطقوس لا تقف عند تحضير وجبات أكل محددة، بل تتعدى ذلك إلى ابتداع احتفالات قد تكون موجهة إلى الأطفال أو النساء، غير أن الهدف واحد هو ضمان استمرارية العيد داخل المجتمع. وبخصوص هذا التفاوت الحاصل بين الشعوب الإسلامية في الاحتفاء بذكرى المولد النبوي، قال قرنفل إن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف ممارسة الطقس الديني من مجتمع إلى آخر بحكم اختلاف التقاليد والعادات بين المجتمعات.