«أقيلوا دنيا التعرجي»... هكذا عنونا هذا الركن قبل عدة أسابيع، لما تابعنا إسقاطات إدراج الشركة العامة العقارية بالبورصة والتجاوزات التي رافقت العملية. كنا اتصلنا بمجلس القيم وواجهناه بشهادات متضررين فكانت الأجوبة أكثر سطحية. بعد ذلك، طلعنا في عمود آخر بضرورة إعادة النظر في الدور الحقيقي الذي يجب أن يلعبه مجلس القيم حفاظا على مصداقية البورصة، وقلنا إن هذا المجلس يُطلق عليه تجنيا «دركي البورصة»، على غرار ما يقع في البورصات المتقدمة. النتيجة كانت صمتا مطبقا كأن لا حياة لمن تُنادي. فلا الوزارة الوصية (المالية) تحركت ولا الحكومة تساءلت ولا المعارضة ساءلت حول الاستخفاف الذي يتعامل به مجلس القيم وحول فشله في التواصل مع الرأي العام في أحد القطاعات الحساسة.. لأنه يهم التوظيفات المالية للعموم، أي أنها تتعلق بالادخار الذي يعتبر واحدا من أعمدة أي اقتصاد. ومع بداية هذا الأسبوع، أعلن مجلس القيم عن مجموعة قرارات بخصوص العملية التي كنا قد تحدثنا عنها سابقا، وهي إدراج الشركة العامة العقارية. النتيجة هي تغريم شركة «أبلاين» مليار سنتيم وتوبيخ «صفا بورص» وإنذار كل من «التجاري وفا للوساطة»، و«بمسيو بورص»! وفي الوقت الذي «طبّل» فيه الكثيرون لهذا القرار، لا يسعنا إلا أن نضعه في سياقه العادي دون تهويل ولا استخفاف. فالقرار في حد ذاته يعتبر سابقة لأن المجلس لم يسبق له أن أعلن عن أي من قراراته التي ظلت دائما طي الكتمان.. ولعل ذلك ما كان يشجع شركات البورصة على التمادي في تجاوزاتها. لكن القرار ظل، مع ذلك، مغلفا بالكثير من الغموض والتساؤلات.. فعلى أي أساس تم اعتماد مبلغ الذغيرة في مليار سنتيم في الوقت الذي تحدثت فيه بعض المصادر عن اختلالات بالملايير. ويكفي مجلس القيم أن يقوم بجرد للمستفيدين ككل ويطلع على عدد الأسهم التي حازها بعض الخواص والمؤسساتيين. فهناك من أصبح مليونيرا فقط في هذه العملية، تماما كما وقع في عملية إدراج الضحى. ثم لماذا لم نسمع شيئا عن إدراج عملية الضحى، هل كانت نظيفة إلى هذا الحد؟ أم ترى المجلس عمل بمبدأ كم حاجة قضيناها بتركها أو تفاديا لمقولة: «اللي دار يدو في الغار يعضو الحنش!». ثم لماذا تم الاكتفاء بإنذار شركات البورصة الأخرى؟ هل الأمر يتعلق بالكيل بمكيالين، كما يتم تداول ذلك الآن في دهاليز البورصة؟ وهل كانت شركة «أبلاين» «الحيط القصير» الذي قفز عليه مجلس القيم؟ تساؤلات كثيرة لم يزد بلاغ المجلس إلا في تغذيتها في وقت كان من الضروري فيه أن تأتي المديرة العامة دنيا التعرجي إلى ندوة صحفية تواجه خلالها تساؤلات رجال الإعلام رفعا لكل غموض. البورصة وشركات الوساطة وصناديق التوظيفات لم تعد حكرا على نخبة يتم الحديث معها في صالونات الدارالبيضاء والرباط، بل أصبحت منتوجا شعبيا.. ويكفي النظر للإقبال الكبير الذي تلقاه عمليات الإدراج بغض النظر عن قوة وأسماء وسمعة الشركات المعنية. وبالطبع، كان للإعلام دور هام في شيوع ثقافة البورصة. لذلك، فإن نفس الإعلام يطالب بالتعامل معه بمسؤولية كما يجب احترام ذكاء الرأي العام. هل اعتقد مجلس القيم أنه كسر طابوها وقام بمسؤوليته عندما عمم بلاغا يتيما يعلن من خلاله عن قراراته سالفة الذكر؟ أبدا! إنه أجج فقط هدير الأسئلة التي بداخلنا، ولن يهدأ هذا الهدير إلا بمثول المسؤولين أمام الرأي العام من خلال إعلامه ومنتخبيه.