تعيش مدينة طنجة أسرع وتيرة تنمية في المغرب كله. فعلى الضفة الجنوبية من مضيق جبل طارق يتم إنشاء أحد أكبر المواني المتوسطية، وهو الميناء المعروف باسم «طنجة ميد» أو «ميناء طنجة المتوسطي». وفي الجانب الآخر هناك ارتفاع كبير في حجم الاستثمار الصناعي في المدينة، والذي ارتفع بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الماضية. وفي مجال العقار، تحولت طنجة إلى الوجهة الأولى للمستثمرين في هذا المجال من داخل المغرب وخارجه، حيث تحولت المدينة إلى أغلى مدينة مغربية في مجال العقار. مقابل هذا الازدهار تعاني طنجة من خلل فظيع على مستوى البنيات التحتية، حيث إن أغلب الطرق تعود إلى عهد الاستعمار، ومجاري الصرف الصحي متوارثة عن عهد الحماية، وتعاني من اختناق مروري كبير وارتفاع حدة التلوث ووجود مجاري الوادي الحار المكشوفة، وتعرض الشاطئ البلدي للتلوث، وهو الذي يستقبل آلاف المصطافين كل صيف من داخل المدينة وخارجها، وانقراض المناطق الخضراء وتفويتها إلى شخصيات نافدة، وغياب مستشفيات ومصحات عمومية كافية لاستقبال العدد الكبير من العمال الذين استقروا في طنجة، وعدم توفر المدينة على مطرح مناسب للنفايات في وقت تضاعفت فيه كميات النفايات نتيجة الأنشطة الصناعية والبشرية المتزايدة، وارتفاع حدة المضاربة في العقار والارتشاء في أوساط السلطة وتبييض الأموال الناتجة عن أنشطة غير قانونية، مثل تهريب المخدرات، والسخط المتعاظم بين السكان من ارتفاع فواتير استهلاك الماء والكهرباء، وهو ما يدفع إلى احتجاجات شعبية مستمرة، وتراجع دور المدينة السياحي مقارنة بما كانت عليه خلال العقود الماضية، وتعرض بنايات المدينة القديمة للتصدع، مما أصبح يشكل خطرا على سكانها، وقلة المقاعد الدراسية مقابل الارتفاع الكبير في عدد السكان، وتحول عدد من الشواطئ إلى مناطق خاصة ستعرف إنشاء استثمارات عقارية وسياحية، والاختلال في إنشاء مناطق صناعية تفتقر إلى بنيات تحتية مناسبة، والتنافر المستمر بين مسؤولي المدينة والحزازات الشخصية في ما بينهم، والاحتجاجات المستمرة لسكان منطقة ميناء طنجة المتوسطي على تهميشهم وعدم تشغيل أبناء المنطقة في مشروع الميناء، والحيف الذي يتعرض له شباب طنجة بشكل عام في مجال التشغيل. وعلى المستوى الاجتماعي، يلاحظ ارتفاع حاد للسكن العشوائي، حيث يحيط بالمدينة عدد من الأحياء العشوائية بتواطؤ مع أفراد السلطة الذين يتصرفون بمنطق «أنا وبعدي الطوفان»، وانتشار الجريمة المنظمة والعادية، مما أدى إلى وقوع حوادث سلب واعتراض المارة في قلب المدينة، بموازاة مع قلة أفراد الأمن، وازدياد ظواهر تواطؤ الأمن مع مشتبهين، مما أدى إلى ارتفاع عدد مستهلكي المخدرات الصلبة، وازدياد حدة الدعارة في وقت متزامن مع نمو المدينة صناعيا وبشريا، وانتشار ملحوظ لأطفال الشوارع والشباب الذين ينتظرون دورهم في الهجرة السرية، وأغلبهم يقتاتون من المزابل في ظاهرة نزلت بسمعة المدينة إلى الحضيض. كل هذا ينضاف إلى ظاهرة مشينة وطارئة تتمثل في كون العشرات من الشواذ الغربيين أصبحوا يقصدون المدينة، إما من أجل اقتناء سكن قار فيها، أو من أجل العمل تحت دعوى الاستثمار، أو كسياح، لكن هدفهم الأول هو استغلال الأطفال القاصرين في الدعارة الجنسية. طنجة مدينة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب.