أصدر المجلس العلمي الأعلى بيانا استنكر فيه بشدة ما يصدر عن بعض وسائل الإعلام في بلدان أوربية، وخاصة في الدانمارك، من استفزاز لمشاعر أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين في العالم، بعد إعادة نشر الصحف الدانماركية للرسوم المسيئة للرسول. وقال البيان، الذي جاء شديد اللهجة، بشكل غير معهود من قبل علماء المغرب، إن المجلس «ومعه جميع علماء المملكة المعتزين بقيادة إمارة المؤمنين التي ما فتئت تسهر على إشاعة القيم الإنسانية النبيلة في الحرية والإنصاف والتسامح والتعامل بالتي هي أحسن، يتابع ما يصدر عن بعض وسائل الإعلام في بلدان أوربية، وخاصة منها في بلد أمعنت صحفه في استفزاز مشاعر أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين والمسلمات، وإيذاء ضميرهم الديني بما واظبت على نشره من الرسوم الكاريكاتورية المخلة بمقام خاتم أنبياء الله ورسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في وقاحة ونذالة قل أن تعثر على مثيل لها إلا عند سفلة الناس وأراذلهم، وهو سلوك يدل على فراغ أخلاقي مذهل يوشك أن يصبح إرهابا مدمرا للإنسانية كلها»، وأضاف البيان أن علماء المغرب يأسفون «شديد الأسف، وهم يجدون أنفسهم، مرة أخرى مكرهين على التنديد والاستنكار والشجب للحملة الإعلامية الشرسة التي استهدفت، وما تزال، ديننا الإسلامي وشريعتنا الغراء في شخص نبي هو خاتم النبيين، أرسله الله رحمة للعالمين. وإن ادعاء ممارسة الحرية بالشكل الذي يمس عقائد الآخرين ومقدساتهم، ما هو في الحقيقة سوى انتهاك صارخ لحرمة الإنسان، وعدوان على أمنه النفسي وطمأنينته المعنوية. ولن يثمر الاستعمال المرذول للحرية إلا المزيد من الشرور والآثام بينما الحرية قيمة إنسانية سامية تستهدف بالأساس تنوير عقول الناس بالحقائق المدعمة بالحجة والدليل». وطالب علماء المغرب من أسماهم «الحكماء والعقلاء من أصحاب القرار والنفوذ والتأثير في بلدان أوروبا وغيرها من بلدان العالم» بالتدخل العاجل والحاسم لوقف استمرار نشر تلك الرسوم ومنع التصعيد في التحرش بقيم المسلمين ورموزهم «ومنع ما يدبر ويحضر له من أعمال فظيعة في هذا الاتجاه، سواء كانت على شكل مواد إعلامية أو أشرطة تجارية، لأن هذا التصعيد إن وقع التمادي فيه ينذر بما هو أسوأ وأشنع مما لا تحمد عقباه». رأي العلماء ويعد هذا البيان الأول من نوعه منذ فترة طويلة تغيب فيها علماء المغرب عن بعض القضايا التي شهدتها الساحة الوطنية، مثل قضية ما عرف ب»عرس الشواذ» بمدينة القصر الكبير، الذي لم يصدر فيه المجلس العلمي أي بيان أو بلاغ، وملف التنصير الذي يثار حاليا في بعض مناطق المغرب، حيث اكتفى المجلس الأعلى بتفويض مهمة التصدي للظاهرة إلى المجلس العلمي المحلي بالرباط الذي أعلن عن حملة ضد التنصير في مساجد المنطقة. كما أن المجلس العلمي الأعلى لا زال حتى اليوم لم يبت في قضية القروض البنكية، بعد الزوبعة التي أثارها الداعية المصري يوسف القرضاوي في السنة الماضية، عندما أصدر فتوى أجاز فيها للمغاربة الاقتراض من البنوك لشراء مساكن، نظراً لعدم وجود مصارف شرعية. والملاحظ أن قضية الرسوم الكاريكاتورية أثارت ردود فعل واسعة في جميع البلدان العربية والإسلامية، حتى ذهب البعض إلى انتقاد ذلك السيل من ردود الفعل، وكان حريا بالمجلس العلمي الأعلى أن يدلي بصوته في قضايا وطنية بدل الانخراط في موجة الردود التي ربما لن يجد مكانه فيها، بالنظر لوجود هيئات ومؤسسات علمية أكبر وذات تأثير أوسع. وقال العربي المودن، عضو المجلس العلمي المحلي للرباط، في تصريح ل«المساء»، ردا على سؤال حول غياب علماء المغرب عن قضايا أخرى وتأخر الموقف تجاه الرسوم، إن علماء المغرب قد أدلوا بمواقفهم في قضية القصر الكبير من خلال الصحف والخطب في المساجد والندوات والدروس، وكذلك في ما يخص الموقف من ظاهرة التنصير، وأضاف المودن أن الرد على الرسوم المسيئة «من واجب العلماء، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يحتاج أن يرد عنه أحد، فالإسلام هو الذي يرد بنفسه على نفسه»، وقال إن المجلس العلمي الأعلى يقوم بواجباته من خلال الوعظ والإرشاد. أما محمد زحل، أحد مؤسسي العمل الإسلامي بالمغرب وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فقال في تصريح ل«المساء» تعليقا على الموضوع: «المجلس العلمي هو هيئة رسمية، لذلك ليس منتظرا منه اتخاذ مواقف أكثر من هذه»، مستشهدا بالقاعدة الأصولية «من جاء على أصله فلا سؤال عليه»، وقال إن اتخاذ مواقف جريئة هي مهمة العلماء الأحرار المستقلين».