تنتظر المهاجرين في بريطانيا، ومن يتطلعون للمجيء والإقامة في المملكة المتحدة، ترسانة جديدة من القوانين من شأنها أن تغير واقع الهجرة في هذا البلد، إذ انطلاقا من الخريف المقبل سينتهي عهد كان يوصف بنوع من المرونة وتبدأ مرحلة عنوانها الأبرز «اثبت أنك تستحق أن تبرطن». حتى إشعار آخر نشرت مصالح الداخلية البريطانية أخيرا مسودة مشاريع للهجرة ستكون بمثابة مقدمة لقانون جديد للهجرة سيكون ساري المفعول مع فصل الخريف القادم، وينص القانون على وضع المتجنسين الجدد «تحت المراقبة» لفترة تمتد من عام إلى خمس سنوات قبل حصولهم على الجنسية البريطانية. وعكس الفترة السابقة حيث كان الأمر بسيطا يقتصر على ملء وثائق رسمية وأداء القسم أمام محام مقابل بضعة جنيهات، سيكون لزاما على الراغبين في التبرطن «إثبات مشاركتهم الفعالة في المجتمع البريطاني»، وهو تعبير يبدو فضفاضا وقابلا لكل التأويلات حيث لا يوجد في هذا البند ما يحدد على وجه الخصوص الوصفة المثلى التي تبين بالضبط ما يجب فعله كي يثبت طالب الحصول على الجنسية أنه فعلا ساهم مساهمة فعالة في المجتمع. صحيح أن وزير الهجرة البريطاني قال إن الغاية هي «جعل النظام أقوى وأكثر عدالة» لكن الأمر في نظر المعنيين بالموضوع لا يتعدى شعارا عاما ولا يحدد بالضبط الآليات المطلوب تنفيذها، وصحيح أيضا أن المسؤول البريطاني حاول توضيح المقصود بالقول إنه «سيكون على المهاجر إثبات التزامه بالقيم الأساسية في بريطانيا من خلال تحدث الإنجليزية والالتزام بالقانون ودفع الضرائب ...»، ومع أن الكثيرين تحدثوا عن التطوع في مجالات مختلفة كدور رعاية المسنين، إلا أن السؤال المحرج هو: هل سيكون الأمر ضروريا مادامت هذه الأنشطة ليست ذات طابع إلزامي في ما يخص المواطنين البريطانيين؟ وهل الخمس سنوات التي يمضيها المهاجر قبل تقدمه بطلب الهجرة، مع ما يذهب من عرقه كضرائب مباشرة لخ-زينة الدولة، لا تدل على أن المهاجر يسهم فعليا في بناء البلاد؟ ومما يميز الإجراءات الجديدة هو أنه سيصبح من الضروري على كل من أمضى خمس سنوات في بريطانيا أن يتقدم بطلب الحصول على الجنسية. وفي مفردات الحكومة فإنه «بعد خمس سنوات من إقامة كل مهاجر ببريطانيا، يجب عليه تقديم طلب للحصول على الجنسية، وإذا تمت الموافقة على طلبه فلا يعني ذلك نهاية المطاف بل سيصبح لديه وضع جديد تماما على الترسانة القانونية البريطانية أي وضعية متجنس تحت التجربة إلى أن يثبت انتماءه إلى المجتمع البريطاني والتزامه بقيمه الأساسية. وفي هذا السياق علق أحد المغاربة المقبلين على التجنس بعد سنة «هنا فين بكا فيتح»، في إشارة إلى الغموض الذي أصبح يلف حلم الحالمين بأن يصبحوا بريطانيين وتعقد المساطر المؤدية إلى هذا الحق الذي كان مكتسبا. خيارات أخرى ما العمل إذا لم يكن مهاجر ما راغبا في الحصول على الجنسية، حتى وإن كان عبر بنجاح صراط «متجنس تحت التجربة»؟ في هذه الحالة، وطبقا لمسودة القوانين الجديدة التي غطت ستا وخمسين صفحة، يمكنه تقديم طلب الحصول على الإقامة الدائمة. ويشار في هذا السياق إلى أنه من بين الامتيازات التي لن يتمتع بها «المواطنون تحت التجربة» هناك حق ولوجهم أو ولوج أبنائهم الجامعات البريطانية كطلبة محليين، وهو ما يعني تحمل تكاليف الدراسة الباهظة. ومن الأسئلة الاستنكارية التي يطرحها الشارع المهاجر في بريطانيا: أليست الخمس سنوات التي يقضيها طالب الحصول على الجنسية كافية لإثبات جدارته بالانتماء إلى هذا البلد بشكل نهائي؟ لماذا لا يتم الحسم في الموضوع خلال فترة الخمس سنوات نفسها من خلال سجل كل مهاجر؟ ألا يخفي الأمر رغبة في تشديد الخناق على الراغبين في الهجرة إلى المملكة المتحدة؟ ثم أخيرا، ألا يعتبر الموضوع في عمقه توظيفا لقضية الهجرة من قبل الحزب العمالي الحاكم كضربة استباقية قبل الانتخابات المقبلة؟ سيما أن المجتمع البريطاني بقدر اعترافه بما يجنيه من مكاسب نتيجة للمجهود العضلي والفكري للمهاجرين أصبح لا يخفي تبرمه من موجات مخيفة من البشر تصل أحيانا خمسمائة وافد يوميا. ولعل في الإجراءات التفصيلية للرزنامة القانونية الجديدة ما يؤشر على انتقائية جديدة في سياسة الهجرة تجاه غير الأوروبيين، فحاجة بريطانيا إلى اليد العاملة الرخيصة تسدها أفواج مئات الآلاف من القادمين من أوربا الشرقية، بينما زبدة العقول والمؤهلين تأهيلا عاليا من بلدان العالم الثالث هم من ستسهل مأمورية ولوجهم سوق العمل، وهكذا تسد حاجات سوق الشغل في جانبيه النخبوي والعادي. تكشف القوانين الجديدة عن وجود ثلاث مراحل للحصول على الجنسية لثلاث فئات من المهاجرين، أما الفئة الأولى فتضم العاملين من ذوي الاختصاصات العالية والمتوسطة، والذين يكفيهم العمل في بريطانيا لخمس سنوات قبل تقديمهم طلب التجنيس، في حين تشمل الفئة الثانية المتزوجين من بريطانيين والذين ستكون عليهم الإقامة في بريطانيا لسنتين فقط قبل تقديم الطلبات، بينما الفئة الثالثة، والتي يغبطها حتى البريطانيون أنفسهم لما لها من امتيازات، فهم اللاجئون الذين سيكون بوسعهم تقديم طلبات الحصول على الجنسية البريطانية بعد خمس سنوات من إقامتهم بها. وضعية المواطن حتى إشعار آخر أو «الجنسية التجريبية» ستستمر ما بين حوالي سنة واحدة، في حال كان المهاجر شاطرا ومحظوظا وأثبت أنه ملتزم بقانون البلاد ومتقن للغة العباد، ودفع ضرائبه كاملة فإنه سيصبح مواطناً كامل المواطنة. أما التعساء ممن سيكون الفشل حليفهم فسيتعين عليهم الدخول في دوامة أخرى، أي تقديم طلب جديد ولكن في حال لم يحصلوا على الجنسية في ظرف خمس سنوات سيكون عليهم الرجوع من حيث أتوا. الهجرة والزواج في موضوع ذي صلة، وجوابا عن عدد كبير من الرسائل الإلكترونية وكلها تصب في خانة القضايا ذات الصلة بالهجرة عن طريق الزواج من قبيل: هل يمكن للزوج أو الزوجة أو الخاطب أو المخطوبة القدوم للعيش بالمملكة المتحدة وما هي شروط ذلك من الناحية القانونية؟ حسب ما تفرضه القوانين الحالية للهجرة فإنه يحق للزوج أو الزوجة أو الخاطب والمخطوبة تقديم طلب للقدوم أو للالتحاق للعيش بالمملكة المتحدة طبقا لشروط محددة في أن يكون مقيما ويعيش حاليا بالمملكة المتحدة؛ أو أن تكون لديه النية في الرجوع بصحبتهم للعيش في بريطانيا بشكل دائم. أما كيفية الإيفاء بالشروط المطلوبة فيجب على الزوج أو الزوجة أن يكونا متزوجين بصفة قانونية وأن تكون لديهما النية في العيش معا بصفة دائمة كزوجين وأن يكونا قد التقيا ببعضهما البعض وأن تكون لديهما الاستطاعة في الاعتماد على نفسيهما ماليا دون الاعتماد على المال العام، وأن يكون لديهما سكن مناسب ويناسب كل التابعين لهما دون الاعتماد على إعانات الضمان الاجتماعي البريطاني، وألا يكون الزوج أو الزوجة دون سن السادسة عشرة. وفي حال تعدد الزوجات يحق لزوجة واحدة فقط القدوم للعيش مع زوجها في بريطانيا. ويجب على الزوج أو الزوجة أيضا الحصول على إذن بالدخول قبل السفر إلى المملكة المتحدة وعند الوصول يمنح أو تمنح الإذن بالبقاء والعمل لفترة 24 شهرا. وفي نهاية هذه الفترة وفي حالة أن يكونا ما زالا متزوجين ولديهما النية في العيش معا فيحق للزوج أو للزوجة تقديم طلب للبقاء في بريطانيا بصورة مستديمة. وفي حال الخطبة فإنه يجب على الخاطب أو المخطوبة إثبات جملة من الأمور ومنها بالأساس أن لديهما النية في الزواج خلال فترة معقولة تحدد عادة في ستة أشهر، وأن تكون لديهما النية في العيش معا بصورة دائمة بعد زواجهما، وأن يكونا قد التقيا ببعضهما البعض؛ وأن يكون لديه أو لديها مكان للعيش حتى الزواج دون الاعتماد على مال الدولة؛ وأن يكون من الممكن له ولأي أشخاص معولين العيش من دون الاضطرار إلى العمل أو الحصول على دعم من مال الدولة. وعادة ما تقوم وزارة الداخلية بمنح الخاطب أو الخاطبة حق البقاء في بريطانيا لمدة 6 أشهر ولكن لا يحق لهما العمل. وعند زواجهما، يحق للزوج أو للزوجة تقديم طلب للبقاء. فإذا وافقت وزارة الداخلية على الطلب فإنها تقوم بإعطاء الزوج أو الزوجة حق البقاء والعمل لفترة 24 شهرا، وبنهاية هذه الفترة يحق للمعني منهما بالأمر تقديم طلب للبقاء بصورة مستديمة. ويشار إلى أنه يجب على الزوج أو الزوجة الحصول على إذن بالدخول قبل السفر للمملكة المتحدة، أي التوفر على إذن أو شهادة للدخول تسمح بالسفر إلى المملكة المتحدة. ويجب تقديم طلب إلى السفارة البريطانية أو إلى اللجنة السامية البريطانية أو لبعثة دبلوماسية في البلد الذي يسكن به الزوجة أو الزوجة أو الخاطب أو المخطوبة. وإذا رفض الطلب فيحق للمعني به تقديم طلب للاستئناف ضد القرار، شريطة أن يقدم هذا الطلب خلال 28 يوما من يوم قرار رفضه. حين يتكلم الطب البريطاني.. العربية لا يتعلق الأمر ب«الأرض بتتكلم عربي»، تلك الأغنية الرائعة للراحل سيد مكاوي، بل بإطلاق اسم عربي على القاعة الرئيسية لمقر أكبر جمعية طبية بريطانية على الإطلاق، وهي المؤسسة التي مر منها علماء كبار من عيار داروين. هذه القاعة أصبحت تحمل منذ أيام قليلة اسم «قاعة نظمي أوجي»، وليس أوجي هذا شخصا أخر غير الملياردير العربي وأحد أكبر أثرياء المملكة المتحدة، وهو في الوقت نفسه عراقي الأصل وحامل لجنسية بريطانية وأخرى لبنانية. فقد أقامت الجمعية الملكية الطبية في لندن حفل تكريم لرجل الأعمال العربي ورئيس مجموعة «جنرال ميديترانيان»، وقد أقيم حفل التكريم لشكر أوجي على إسهاماته في دعم المجال الطبي في المملكة المتحدة، والتي كان آخرها اتفاق الدعم الذي قدمه للجمعية في سبيل دعم مشاريعها ذات الصلة بالبحث العلمي. وقد حضر الحفل، الذي حصل في غفلة من كثير من وسائل الإعلام، أكثر من عشرة سفراء عرب وعدد من النواب واللوردات البريطانيين، إضافة إلى وجوه مرموقة في المجال الطبي بالمملكة المتحدة. وقد كانت في مقدمة الذين جاؤوا لشكر المحتفى به الأميرة مايكل، أميرة منطقة كنت، التي رفعت الستار عن لوحة تذكارية مذهبة وأطلقت اسم نظمي أوجي على القاعة الرئيسية لأهم وأعرق جمعية طبية بريطانية. وقد أثنت الأميرة مايكل في كلمتها على أوجي معتبرة أن دعمه المالي، الذي لم يكشف عن قيمته، سيسهم في دعم الصلات العلمية بين المؤسسات الطبية في بلادها ونظيراتها في المنطقة العربية. أما البروفسور روبين ويليامسن، رئيس الجمعية الطبية الملكية، فاعتبر المناسبة استثنائية ولافتة، لكون الهبة المالية التي قدمها أوجي تمثل «دعماً حقيقيا للجمعية ومشاريعها في مجال البحث العلمي والأكاديمي». من جهته، أكد البروفسور العربي ندي حكيم، ونيابة عن عشرين ألف زميل جراح منضوين تحت لواء الجمعية، أن لمساهمات أوجي أهمية بالغة في رسم معالم مستقبل الجمعية بما سيوفره من شروط البحث العلمي للأجيال المقبلة. أما المحتفى به نظمي أوجي فقد تحدث بتأثر واضح عن «هذه الالتفاتة ذات الرمزية الكبيرة إلى شخصي»، مشيرا إلى الدور التاريخي للجمعية البريطانية في البحث العلمي وما راكمته من تجارب في هذا الصدد، قبل أن يختم بالحديث عن مركزية دعم القطاع الطبي في المؤسسات التي يرأسها لاسيما المنظمة الإنجليزية– العربية. يذكر أن أوجي الذي حقق ثروة طائلة يقدرها البعض بنحو ثلاثة مليارات دولار لم تكن طريقه سالكة تماما، ومن بين أهم محنه، إضافة إلى دخوله السجن ثلاث مرات على عهدي عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، كانت عملية شرائه مصفاة «أرتويل» في إسبانيا من مكتب الاستثمارات الكويتية وبيعها لشركة نفطية إسبانية تدعى «سبسا» ضمن صفقة أشرفت على تهييئها شركة «ألف أكيتان» الفرنسية وهي القضية التي تحولت من عملية بيع وشراء عادية إلى قضية قضائية في فرنسا جرت عليه الكثير من المشاكل. وتستثمر شركة «جنرال ميديترانيان» التي يرأسها أوجي في حوالي ثلاثين دولة منها المغرب، في مجالات عديدة كالسياحة والعقارات والطيران والأعمال المصرفية والطاقة والأدوية. ورغم أن أوجي لامست استثماراته المجال الإعلامي إلا أنه قليل الظهور وحتى المرات القليلة التي قابل فيها صحفيين تميز كلامه فيها بالاختصار والبساطة، مع غير قليل من مسحة خجل.