«كنت أعرف أن الأمر يتعلق بإنسان طموح، لكن لم يخطر ببالي أبدا أنه يمكن أن يدبر مخططا جهنميا يتمثل في إسقاط الطائرة التي كانت تقلني فوق البحر الأبيض المتوسط، واستغلال الدستور بعد ذلك للإعلان عن مجلس الوصاية، وتنصيب ابني البالغ من العمر تسع سنوات على العرش». الحديث هنا للحسن الثاني والإنسان الطموح لم يكن سوى الجنرال محمد أوفقير. ابن قائد بإحدى قبائل الجنوب، تتلمذ عسكريا في مدرسة أزرو التابعة للقوات الفرنسية، ثم بمدرسة دار البيضا، تعلم الرمي في الحرب الكونية فوق الأراضي الإيطالية، ثم حرب الهند الصينة، حمل منذ شبابه عداء بينا للبورجوازية الفاسية، وأبدى طموحا لتحديهم. لم يستسغ الكثيرون انتقاله الفوري من خدمة الجيش الفرنسي إلى الجلوس بجانب سائق السيارة التي أقلت محمد الخامس من المطار إلى القصر بعد عودته من المنفى. ثم راح يساعد ولي العهد في تنظيم سريع ومستعجل للقوات المسلحة الملكية لاحتواء جيش التحرير. ولم يتردد في توجيه تلك القوات نحو قبائل بني ورياغل، قبائل بن عبد الكريم الخطابي. ليتقلد منصب مدير الأمن الوطني سنة 1960 وهو برتبة كولونيل، وظل، منذ ذلك الحين، واجهة لحكم القصر ويده الطويلة، وأصبح بعد حرب الرمال برتبة جنرال. كل ذلك لم يمنع من وقوع ما استغربه الراحل الحسن الثاني، بعد أن أفلت من انقلاب الصخيرات وخرج منه أقوى بتصفية بعض منافسيه. لم يبق أمام الرجل سوى شخص الملك ليصبح الحاكم بأمره في مملكة محجور عليها. وفي تلك الفترة بدأ الرجل يحاول لعب أوراق السياسة، من خلال اتصاله ببعض مكونات المعارضة، وتودده إليها، وبات يسر إلى بعضهم بميولاته الإصلاحية وتضايقه من تفشي الفساد. فشلت تخطيطات الرجل، وحطت طائرة الملك العائد من فرنسا بسلام في مطار الرباط. وكان آخر لقاء بينهما بقصر الصخيرات الذي قصده الجنرال لاستعطاف أم الملك. لكنها كانت النهاية. نهاية بثلاث رصاصات قاتلة لم يحدد الإصبع الذي داس على زناد إطلاقها إلى اليوم. «لم أشك في إخلاص أوفقير، والغريب في الأمر هو الطريقة التي حاول بها تنفيذ محاولته... فقد مكثنا بالفضاء أزيد من خمس وعشرين دقيقة في طائرة تعرضت لوابل من الرصاص» يقول الحسن الثاني عن آخر لحظات «خدمة» أوفقير.