نساء ممزقات، باكيات، شاكيات، محطمات، مغرر بهن، دورهن محدد في المتعة المدفوعة، يقعن في الغالب في شباك رجال محتربين، لا تنصفهن العدالة الاجتماعية، ويطحنهن المجتمع الذكوري، وفي الأخير، وضدا على كل التضحيات، تمزقهن سكاكين النميمة، ويرمي بهن المجتمع إلى القاع حيث يتجرعن على مهل مرارة الظلم المتجسد في صورة رجل لا قلب له. نساء شبقات، متهتكات، كاسيات عاريات، سهلات، قابلات للغواية، متطلعات بورجوازيات، متفرنجات. نساء متوكلات، أمهات، فاضلات، تدفعهن الحاجة إلى الخروج للعمل، وحين يفعلن ذلك، يقعن فريسة سهلة في أيدي أرباب معامل وأصحاب كروش منتفخة وحيوانات مريضة بالطاعون، وشبكات للقوادة. الليل يقود المرأة إلى اجتراح تجربة جديدة، وإلى الخوض في مياه لم تجربها من قبل، وحين تفعل ذلك، يتحول هذا الكائن الوديع إلى كائن منتقم، شرس، جبار، يهد أعتى الجبال، ويقصم ظهر أمهر الرجال وأصلبهم. الانتقام يحرك البشر، والحب أيضا، وبين الكراهية والحب مسافة شعرة العجين. والمرأة ولأنها سيدة العالم، فهي لم تتخل عن العرش السبئي الذي حلمت به أو تحلم به، إنها سيدة الأرض حتى وهي في نجيعها وفي مراثيها، وهي القدرية القاصمة في غنائها وشدوها. لنتأمل الإلياذة والأوديسا، ولنتأمل الشعر الجاهلي والنصوص القديمة، بدءا من النص الكبير «ملحمة جلجامش» والذي أرست فيه المرأة سطوتها المطلقة، ولنتدرج مع الزمن إلى الأغاني الدرويشية التي احتفلت بالمرأة الأنثى، المرأة الملهمة لفعل المقاومة، ولفعل الحب، تلك المرأة التي تبلغ أشهى ما فيها وهي في الأربعين من العمر، سن النضوج الكامل والجمال والعقل والبلوغ الأنثوي الذي لا يساويه بلوغ، مثل الليلة القمرية. النص الأدبي شعرا وقصة ورواية، لم يخرج عن هذا المتداول، وكرس في المقابل صورة نمطية للمرأة العربية كما رسمها الشاعر الجاهلي، فهناك اليوم أكثر من ليلى وأكثر من فاطم وأكثر من دعد، وحين صدر الشاعر الجاهلي قصيدته بالمطالع الغزلية، فإنما كان يرسم صورة دارسة عن ابنة عم أو خليلة لا توجد إلا في الطلل المحيل، بينما كانت الصحراء تقبض عليه بسلطتها، محجرة إياه في إطار الكبت الذي يمارسه المجال الصحراوي على كل إحساس منطلق وتواق للحرية. هل ابتعدنا عن تلك الصورة المشغولة بعناية في لا وعينا الكتابي؟ تقول النصوص إننا لم نبتعد عن الميكانيزم الجماعي المولد لهذه الصورة النمطية عن المرأة . وقد بدل الكاتب المغربي جهدا كبيرا من أجل أن «يسوق» لصورة مقبولة وآدمية وغير رومانسية للمرأة المغربية، بعد أن كانت الصورة إما شيطانية أو ملائكية قادمة من المخيال الثقافي الشعبي البعيد في الزمن. بعد صورة المرأة، الملاك المجنح أو الشيطان الرجيم بدأنا نقرأ في النصوص المغربية وبالأخص في القصة والرواية عن نوع آخر من النساء، موجودات في الواقع، بعيدات عن تخيلات الكتب القديمة، لقد تطور الأمر في نصوص السبعينيين الذين أرادوا أن يربطوا حضور المرأة في النص الإبداعي بالدور الموكول إليها أو على الأقل بالوظيفة الاجتماعية التي تمارسها فعلا على أرض الواقع. المرأة الموجودة في الشارع وليس في القصور، في الحياة وليس في الجنان ترفل في الحرير والدمقس، المرأة التي تسميها الأدبيات بنصف المجتمع. في نصوص محمد زفزاف وفي أعمال محمد شكري أو في روايات محمد برادة أو الميلودي شغموم أو أعمال نزر الدين وحيد أو في نصوص يوسف فاضل مثلا نجد موديلات نسائية بحسب وعي الكاتب، فالكتاب الرجال ظلوا على الدوام أحسن من كتب عالم المرأة، يمكن أن نستدل هنا برواية «المرأة والوردة» لمحمد زفزاف، أو برواية «امرأة النسيان» لمحمد برادة التي تمضي قدما في الكشف عن الذات الأنثوية أو رواية «المرأة ذات الحصانين» لعبد الله زريقة، أو في رواية «شارع الرباط» لنور الدين وحيد، حيث نجد نوعا آخر من النساء المنخرطات في فضاء مغربي ريفي، تحكم فيه المرأة بقبضتها على الرجال والنعاج والبهائم وكل ما يزحف، مقربة أكثر من صورة المرأة فوق الواقعية التي تجسدها حكايات الجدات والخراريف والساحرات، نساء وليات صالحات لا يعصى لهن أمرا. في مقابل ذلك تحل صورة المرأة العصرية في النصوص التي كتبها تسعينيون من الرجال ومن النساء معها، صورة المرأة القريبة من الملصق الإشهاري، المرأة النموذجية التي لها تكوين جسماني معين، المنتشية بعالم الموضة، المرأة التي تسكن في المدينة الكبيرة وتزاول مهنا جديدة: محامية، طبيبة، ربة شركة، مسؤولة في موقع سام، امرأة لا تخاف الليل، تسهر إلى وقت متأخر، وتمارس حريتها، وتحفل حياتها بمعاني جديدة. الفراشات تحرقهن الفلاشات، والأضواء، وحين تسقط المرأة الجميلة يمثل بها في المجتمع، تتحول إلى متاع، وتطحنها المدينة الكبيرة، المدينة التي لا قلب بها. المسرح المغربي والسينما لم يتخلفا عن تقديم نماذج من هؤلاء النساء، حتى وإن كان البعض ما يزال منكمشا في إطار صورة نمطية عن المرأة، متحجرا في تاريخ بعيد لا وجود له اليوم إلا في خيال الكاتب العقيم. عن تجربة الروائية زهور كرام تفكر الروائية والناقدة المغربية زهور كرام بمنطق مختلف، لقد أتاح لها وجودها في العديد من المواقع، وبالأخص في الجامعة المغربية باعتبارها أستاذة جامعية، فرصة أن تجرب اختياراتها. وحول مفهومها للعمل الثقافي ودورها كمثقفة تقول: «عندما نتعامل مع الثقافة بصدق ونقاء، أعني بالنقاء ألا تكون الثقافة مجرد معبر لشيء آخر، فإن هذه الثقافة تدرّبنا على تدبير الزمن، وتعلمنا سلوك المعاملات، وتربي فينا أناقة التواصل مع الذات والآخر، والمجتمع والمعرفة، وإلاّ ما معنى أن نظل نعلن أفكارنا، ونجهر بها أمام الآخرين، أي الجمهور أو القراء، ونحن لا نحسن التصرف مع ذاتنا. الثقافة علمتني أسلوب التعامل، لأني صرت أنجز معاملاتي بالمعرفة. أضف إلى هذا أني لا أحمل أوهاما، ولا إغراءات، ولهذا فالثقافة عندي سامية جدا. أشتغل على سؤالها لكي أتحرر من خلالها وأساهم في تحرير بعض الأفكار. عندما أفكر في النص الأدبي من خلال النقد فإني أستعمل منهجية في التفكير، وأوظف أدوات في التصرف في اللغة الإبداعية. لهذا فالنقد يدربني على التصميم والمنهجية والابتعاد عن العبث. عندما أكتب الإبداع أكتبه بعشق وبأناقة في التعامل مع متخيلي، فالإبداع أيضا لا أذهب إليه طمعا في تحقيق نجومية وهمية، وإنما أكتب برغبة جمال مع اللحظة فتأتيني الكتابة تشخيصا لحالة الوعي الذي أكونه زمن الكتابة. أنا طموحة بطبعي وأعلن دائما أن الكتابة هي أجمل انتماء لي في زمن اختلاط الأوراق. على الأقل الكتابة لا تطالبني بالامتثال، ولا بتزييف الوجدان، وإنما تربي في نفسي عزة النفس والكرامة. ربيعة ريحان وظلال وخلجان الكاتبة والقاصة المغربية ربيعة ريحان تضع نفسها في موضع المتأمل لتاريخ من الكتابة النسائية ومن الوجود في مجال كانت فيه الهيمنة المطلقة للرجل أو كانت الظروف العامة التي عاشها المغرب تساعد على هذا النوع من الحضور المختل. وحول حضور المرأة في منظومة أجيال الكتابة في المغرب تضيف ربيعة ريحان: «لقد لاحظنا في هذا الباب كيف أن صوت هموم الذات قد بدأ يعلو، وهيمن الذاتي والجواني وحضرت الأنا بشكل صارخ، وهذا لا يعني أن هذا الجيل الجديد في الكتابة والذي أنتمي إليه قد قطع علاقته مع الواقع. وكمثال على ذلك وعلى مستوى الكتابة النسائية، فإن النص القصصي الذي أكتبه ليس نصا منغلقا على ذاته بل مفتوحا على التجربة الجماعية للمجتمع المغربي والإنساني برجاله ونسائه، وأنا من ضمن كاتبات لسنا نسائيات بالمعنى المتداول، ولكننا مبدعات حقيقيات، ولنا تطلعات من نوع آخر، سواء من حيث نظرتنا إلى التجريب، أو من حيث الإيمان بضرورة الانتقال إلى مرحلة أخرى من مراحل الكتابة، لأن التجريب هو في نهاية المطاف جهد وعمل، وليس مجرد خطاب فضفاض وشعار أجوف».