في الوقت الذي كان فيه عباس الفاسي يعانق نظيره التونسي حمد الغنوشي في مطار قرطاج الدولي عائدا إلى المغرب، كانت سلطات ذلك البلد تشن حملة ضد المغاربة الموجودين في ترابها، تخللتها حصص من التعذيب والضرب والترحيل القسري في حق مواطنين مغاربة، بعضهم إلى الصحراء عند الحدود مع ليبيا، بينما تم ترحيل آخرين، من الذين تمكنوا من اقتناء تذكرة الرحيل من جيوبهم، إلى مطار الدارالبيضاء. «لقد تعرضت للتعذيب والضرب وتشريط وجهي داخل مصلحة الحدود والأجانب التابعة لوزارة الداخلية التونسية»، كانت هذه إحدى تصريحات المواطن المغربي مصطفى أولاد الراضي بوزكري، الذي تم ترحيله قسرا نهاية الأسبوع الماضي رفقة مجموعة من المغاربة رغم كونه متزوجا من تونسية. ترتعد يد مصطفى وتدمع عيناه عندما يبدأ في سرد معاناته ل«المساء»، فرجال زين الدين بنعلي لم يسمحوا لمصطفى حتى بتوديع زوجته التونسية وطفلتيه أسماء وآية. قصة مصطفى الذي أمضى ثماني سنوات في تونس «الشقيقة»، بدأت عندما تعرف سنة 1990 على شابة تونسية في المغرب لتتوج العلاقة بزفاف داخل المغرب. سنوات بعد إقامتهما في تطوان سيقرر الاثنان سنة 2000 الاستقرار في مدينة أريانة، شمال العاصمة التونسية، ليعتنيا بطفلتيهما أسماء، ذات الاثني عشر ربيعا، وآية ذات السبع سنوات. لكن زواجه بتونسية وتمتعه بعمل قار لم يشفعا له لدى السلطات التونسية لمنحه رخصة الإقامة. وطيلة ثماني سنوات، وفي كل عام، تستدعيه مصلحة الحرس الوطني لإنجاز محضر له مع تهديده بالطرد، إلى حدود سنة 2006، حين سيتوصل باستدعاء من طرف مصلحة الحدود والأجانب. حجزوا منه جواز السفر وأمروه باقتناء تذكرة الطائرة من جيبه قصد ترحيله إلى المغرب. حاول مصطفى جهد المستطاع توفير ثمن التذكرة، لكن السلطات التونسية ستتجاهل بعد ذلك قرار الطرد في حقه لتتركه منشغلا بحياته الأسرية. لم يشك مصطفى لحظة واحدة أن سحب جواز سفره كان خطة تنهجها السلطات التونسية في حق العديد من المغاربة والمغربيات تمهيدا لطردهم فيما بعد، «هاكدا تيديرو مع كلشي»، يقول له القنصل المغربي خالد الناصيري. في يوم 25 فبراير، سيتم استدعاء مصطفى بوزكري مرة أخرى من طرف الحرس الوطني، حيث اقتادوه إلى مكتب رئيس المنطقة، ليحيله هذا الأخير إلى قسم الحدود والأجانب التابع لوزارة الداخلية حيث سأله المسؤول عن جواز سفره، «قلت لهم إنهم حجزوه لي سنة 2006، وكل ذلك مدون عندهم»، إلا أن المسؤول ذكر له أنهم «لوجو»، أي بحثوا عنه باللهجة التونسية، فلم يجدوه، لتبدأ حصة من التعذيب والضرب وإحداث شقوق بوجهه برأس أحد الأقلام الحادة. بين كل صفعة وأخرى كان المسؤول الأمني يسب دين المغرب وملة المغاربة، وينعتهم بأبشع الأوصاف «المغاربة طحانة وسحارة»، مفردات تونسية تعني أن «المغاربة كلهم مخبرون ومشعوذون و...». «كنت جد منهار»، يقول مصطفى وهو يمسح دموعه بأصابع يده الأربعة المتبقية له بعدما فقد أحدها في حادث شغل، حيث أدى تكاليف علاجه على نفقته الخاصة، «مشغلي التونسي رفض تعويضي أو أداء مصاريف علاجي»، يقول مصطفى بألم. «أين التعاون الثنائي والعلاقات المتينة التي تجمع بين تونس والمغرب التي أشار إليها عباس الفاسي أثناء لقائه بالرئيس التونسي زين العابدين بنعلي؟»، يتساءل مصطفى وهو في غاية الأسى جراء ترحيله وتفريقه عن زوجته التونسية وطفلتيه. «لقد شنت تونس حملة ترحيل ممنهجة ضد المغاربة يومين فقط بعد مغادرة الفاسي لتونس»، يحتج مصطفى بغضب، فقد عمدت سلطات زين العابدين بنعلي إلى ترحيل أكثر من 60 مغربيا ومغربية إما عبر الخطوط الملكية المغربية أو الخطوط الجوية التونسية، لكن على نفقتهم الخاصة، ومن لم يستطع أداء ثمن التذكرة يتم ترحيله إلى الصحراء مع الحدود الليبية. يوم 27 فبراير الماضي، سيوقع القنصل المغربي بتونس خالد الناصري وثيقة السماح بدخول المغرب لفائدة مصطفى بوزكري، «سألني ما الذي أصابني في وجهي، فقلت له إنني تعرضت للتعذيب، لكنه لم يعلق على الأمر»، يقول بوزكري. غداة وصوله إلى مطار الدارالبيضاء لم يكن مع مصطفى سوى 10 دنانير تونسية (حوالي 100 درهم)، حيث سينجز له محضر من طرف أحد رجال الأمن، ليغادر المطار في اتجاه مدينة تطوان، حيث سيرى والدته العجوز المقعدة لأول مرة بعد ثماني سنوات من الغربة. «المغرب باهي» كلمة يرددها مرارا مصطفى بافتخار واعتزاز، رغم الحسرة التي يكابدها لتفريقه عن زوجته وابنتيه من طرف دولة «شقيقة» تجمعها بالمغرب، حسب عباس الفاسي، «علاقات متميزة».