أحداث متلاحقة ومتسارعة وقعت خلال الأسبوعين الماضيين، إثر الإعلان عن تفكيك خلية «عبد القادر بلعيرج» التي تم العثور بحوزتها على أسلحة وذخيرة. لقد تم اعتقال قيادات سياسية معروفة بتهمة الارتباط بالخلية، وتم حل حزب البديل الحضاري، وخرج وزير الداخلية ووزير الاتصال بتصريحات تعلن معطيات عن التحقيق الأولي مع المتهمين قبل أن ينتهي التحقيق، مما أغضب محامي الدفاع. وتصاعد الجدل من جديد في المغرب حول عودة الاختطافات، خاصة بعدما أعلنت وزارة الداخلية أنه تم تفكيك الخلية في 18 فبراير الماضي، في حين أكدت عائلات المعتقلين أنه جرى اختطافهم من أماكن مختلفة منذ منتصف يناير. هناك روايتان، إلى حد الآن، حول حقيقة هذه الشبكة والاتهامات الموجهة إلى عناصرها. الرواية الأولى رسمية، وتتضمن معطيات تفصيلية، تفيد بأن شبكة بلعيرج الحامل للجنسية البلجيكية، كانت تستعد لتنفيذ اغتيالات ضد شخصيات سياسية وعسكرية سامية، وأنها خططت لذلك منذ سنة 1992، وقامت بإدخال الأسلحة ما بين سنة 1994 وسنة 2000، وأن بلعيرج استفاد من شبكة من العلاقات مع منظمات تتبنى العنف، مثل القاعدة، والجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، والجماعة السلفية للدعوة والقتال، كما استفاد من التدريب في معسكرات حزب الله، من أجل التحضير لمخطط إرهابي لزعزعة أمن المغرب. وحسب نفس الرواية، فإن كلا من المصطفى المعتصم، أمين عام حزب البديل الحضاري، ومحمد المرواني، أمين عام حزب الأمة، إضافة إلى عبد الحفيظ السريتي مراسل «المنار»، وماء العينين العبادلة من حزب العدالة والتنمية، وحميد نجيبي من الحزب الاشتراكي الموحد، كانوا على علم بهذا المخطط، بحضورهم اجتماع تأسيس الخلية سنة 1992، حيث تم انتخاب محمد المرواني أميرا للخلية، إضافة إلى علمهم بإدخال الأسلحة إلى المغرب. أما الرواية الثانية التي تسربت من التحقيقات، وهي التي وردت على لسان المتهمين الستة المعروفين، فتشير إلى أنهم كانوا على معرفة بعبد القادر بلعيرج في أواخر الثمانينات، حيث كان يجمعهم تنظيم واحد هو «الاختيار الإسلامي»، وهو عبارة عن تنظيم غير معترف به تأسس في أكتوبر 1981 بالرباط من طرف كل من محمد المرواني والمصطفى المعتصم بعد انسحابهما من الشبيبة الإسلامية. وحسب معطيات «المساء»، فإن تنظيم الاختيار الإسلامي، ضم أعضاء الشبيبة الذين رفضوا الالتحاق بعبد الكريم مطيع، كما رفضوا الانخراط في جمعية الجماعة الإسلامية، التي أسسها عبد الإله بنكيران، وهو تنظيم لم يكن يتبنى العنف كمنهج للتغيير، وأنه فكر منذ سنة 1990 في الإعلان عن نفسه من خلال تنظيم قانوني، وقد ساهم قياديون في الاختيار الإسلامي في تأسيس حزب الوحدة والتنمية سنة 1992 إلى جانب تنظيمات إسلامية أخرى، غير أن السلطات رفضت الترخيص لهذا الحزب. وفي غشت 1995، وقعت مشاكل داخل التنظيم بسبب خلافات حول المرجعية بين دعاة تبني الفكر الشيعي والرافضين له، وأدى ذلك إلى انشقاق كل من المصطفى المعتصم والأمين الركالة عن التنظيم (البعض يتحدث عن طردهما)، حيث قاما بتأسيس حركة البديل الحضاري سنة 1995، في حين أعلن المرواني، الذي تزعم الاختيار الإسلامي، عن تشكيل «الحركة من أجل الأمة» سنة 1998. ويؤكد المرواني والمعتصم، خلال التحقيق معهما، أن علاقتهما بعبد القادر بلعيرج انتهت في بداية التسعينات، حيث لم يعد ينتمي إلى تنظيم «الاختيار الإسلامي»، وأنه أصبح يشتغل لحسابه الخاص. وأمام هذا التضارب، وسط لغز الأسلحة المحير، فإنه من المنتظر أن تكشف التحقيقات في الأيام المقبلة عن مدى صحة هذه الاعترافات، خاصة أن الرواية الرسمية التي تبنتها وزارة الداخلية تشير إلى أن تأسيس كل من حزب البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة كان مجرد تمويه لتحقيق اختراق على مستوى مؤسسات الدولة، ووسط هيئات المجتمع المدني، في حين بقي الجناح المسلح للتنظيم يعمل في سرية بعلم كل من المعتصم والمرواني.. في هذا الملف، نحاول إعادة تركيب قصة تفكيك خلية بلعيرج، ونحاور المحامي عبد الرحمان بن عمرو، ونسلط الضوء على شخصية بلعيرج المتهم الرئيسي في القضية وبعض المعتقلين معه.