يبدي مسؤولو «سوسييتي جنرال» الكثير من الثقة والتفاؤل بخصوص قدرة المجموعة البنكية الفرنسية على تجاوز المحنة التي تعاني منها بعد افتضاح أمر الوسيط المالي العامل لديها والذي دأب، على مدى ثلاث سنوات تقريبا، على الاحتيال والمخاطرة في سوق الأسهم، مما كبد هذه المؤسسة خسائر كبيرة وخدش صورتها في العالم. يوم الأربعاء الماضي، أعلنت المجموعة الفرنسية بباريس، خلال ندوة صحفية حضرها وفد صحفي مغربي، عن حصيلتها السنوية، حيث تجلى أن أرباحها لم تتعد 947 مليون يورو، بعدما وصلت إلى 5.2 ملايير يورو في سنة 2006، وهي النتيجة التي جاءت بعد خسارة بلغت 4.9 ملايير يورو، تسبب فيها جيروم كيرفييل Jerôme Kerviel، وهو الفعل الذي أتى في سياق انعكاس أزمة الرهون العقارية سلبا على بنك التمويل والاستثمار التابع ل«سوسييتي جنرال» Société générale. لكن المجموعة الفرنسية تمكنت من حفظ ماء الوجه مادامت قد استطاعت تحقيق أرباح ب947 مليون يورو، بفضل الأداء القوي لشبكتها من فرنسا والتطور المطرد لشبكاتها على الصعيد الدولي. والخدمات المالية، بحيث مكن ذلك من تأكيد صحة السياسة التي نهجها البنك الذي نوع أنشطته ووسع تواجده في العديد من المناطق في العالم، بل إنه عمل على توسيع حضوره في بنك «روزبنك» Rosbank الروسي، الذي يدخل في إطار استراتيجيته الرامية إلى التركيز أكثر على أسواق أوربا الوسطى والشرقية والعمل على ترسيخ التطور في حوض البحر الأبيض المتوسط. يقر مسؤولو المجموعة الفرنسية بأن سنة 2007 كانت صعبة، ولكنهم يحاولون الإيحاء بأن الحدث الذي هزها أصبح منتميا إلى الماضي، وهذا ما تسعى المجموعة إلى التشديد عليه عبر حملتها التواصلية الهجومية التي تراهن على المستقبل، وهذا ما قد تفلح في التوصل إليه إذا ما نجحت في عملية الاكتتاب في رأسمالها التي انطلقت الأربعاء الأخير، حيث تحاول رفعه ب5.5 ملايير يورو. إنه اختبار حقيقي لثقة المستثمرين في إحدى كبريات المجموعات البنكية من العالم. المجموعة أرادت نهج سبيل الوضوح عبر اللجوء، عشية الندوة الصحفية السنوية وانطلاق عملية الاكتتاب، إلى نشر تقرير اللجنة الخاصة التي أوكل إليها التحقيق في الأسباب التي أفضت إلى إمعان جيروم كيرفييل من نهجه الاحتيالي دون أن تفطن إلى ذلك أجهزة الرقابة التابعة ل«سوسييتي جنرال»، حيث خلصت اللجنة إلى وجود بعض الإهمال، مستبعدة وجود أخطاء فادحة، فقد توصلت إلى أن عدم الوقوف على عملية الاحتيال إلى حدود 18 يناير الماضي، يمكن أن يعزى إلى فعالية وتنوع تقنيات الإخفاء التي عمد إليها الوسيط المالي، وكذلك إلى عدم تعميق عمليات البحث والفحص، لكن اللجنة لم تشر إلى مسؤولية أو ضلوع مسؤولين من المجموعة الفرنسية في عملية الاحتيال، مادام ذلك من اختصاص الأجهزة التي يخولها القانون الفرنسي ذلك. المسؤولون في المجموعة الفرنسية يحاولون جاهدين تفادي الخوض في ما يصفونه بشائعات حول ضمها من قبل بنوك أخرى خاصة «بي إن ب باريبا» BNP Paribas منافسيها التي حققت في السنة الفارطة أرباحا وصلت إلى 7.8 ملايير، ويتفادون التعليق على تقرير اللجنة الخاصة حتى لا يغذوا النقاش الذي انخرطت فيه الصحافة والشكوك التي عبرت عنها غداة افتضاح أمر الوسيط المالي، بل إن أولئك المسؤولين يحاولون الإيحاء بأن آليات الرقابة، أيا كانت درجة دقتها، قد يخترقها ثقب، ينفذ منه أمثال جيروم كيرفييل، الذي شكل ما اقترفه سابقة قد تدعو الصناعة البنكية في العالم إلى إعادة النظر في بعض مسلماتها. في الوقت الذي يحاول فيه البنك طي صفحة جيروم كيرفييل، يقبع في السجن الوسيط المالي الذي وصف بالانعزالي، المكتئب، الذي لم يسع إلى الإثراء الشخصي، عبر احتياله، بل قادته نزعته الانتحارية إلى محاولة لف الحبل. رمزيا، حول عنق الشركة الأم بسوسيتي جنرال، إنه أحد مرضى البورصة النفسانيين الجدد الذي يترقب الفرنسيون روايته لما حدث.